الملحق الثقافي:
وصف ليوناردو دافنشي الماء بأنه “مركب طبيعي”، وأن الماء في العالم هو دم أجسادنا. من رسوماته الأقدم في المناظر الطبيعية هي لنهر متدفق فوق الصخور (1473)، وصولاً إلى الموناليزا الشهيرة (1503) إضافة إلى رسوماته الأخيرة (1517)، وقد ظهرت الكثير من لوحات ليوناردو المائية.
ومع ذلك، لم يكن مفتوناً بالمميزات الفنية للمياه. أراد أن يفهم ديناميات الماء: الدوامات تحت سطح الماء وعلى سطحه. وبصفته باحثاً، فقد تمكن من الجمع بين معرفته وبين قدرته في الفن والتصميم والعلوم والفلسفة والهندسة لتصميم المشروعات والأفكار والأدوات اللازمة لاختبار فرضياته.
في مجموعة من الكتابات – (1510) – أعد ليوناردو 730 استنتاجاً حول الماء وحده. من خلال هذا العمل وغيره، قدم دافنشي العديد من المساهمات في هندسة المياه الحديثة وعلومها بما في ذلك وصف دقيق للدورة الهيدرولوجية، وفهم تأثير سرعة التدفق على الضغط، والقنوات الهندسية والخزانات لإدارة الفيضانات والري.
لم تكن كل قائمته الطويلة من الأفكار والإبداعات المائية مؤثرة أو دقيقة. إن تفرده ومساهمته العظيمة في علوم وهندسة المياه هي تطوير منهج علمي. يمكن القول إنه عالم الهيدرولوجيا الأول الذي صاغ فرضيات على أساس الأدلة التجريبية.
بما أن الماء هو وسيلة الطبيعة، فإن ليوناردو دافنشي هو القوة الدافعة وراء أسس علوم وهندسة المياه.
قام ليوناردو دافنشي بدور رائد في دراسة علم الفراسة من خلال تقديم مفاهيم موجودة في المخطوطات التي كتبها بين عامي 1452 و 1519 وطبعها رافايلو دو فريسني في عام 1651. يمكن ترجمة “حركات العقل Moti mentali” على أنها تمثيل لحالات عقلية ديناميكية عابرة وأفكار وعواطف. بالنسبة إلى دافنشي، ينبغي أن يكون هدف البورتريهات هو تمثيل الأفكار الداخلية، وليس المظهر الخارجي فقط.
لهذا السبب، ابتكر ليوناردو تعبيراً غامضاً للوجه. في التعبيرات الغامضة، هناك “تغيير مستمر: مظهر، وبالتالي ديناميكية. طور ليوناردو تقنية المزج التدريجي للألوان لهذا الغرض. وفي هذا المزج التدريجي تظهر التحولات من اللون المشرق إلى اللون المظلم، أو من لون إلى آخر، بهدف تليين أو إخفاء الحواف الحادة.
لم يخترع ليوناردو هذه التقنية، لكنه قام بتطويرها واستخدامه لها فريد من نوعه. وأنا وإن استخدام ليوناردو دافنشي لهذه التقنية يختلف عن أي رسام آخر- بما في ذلك الرسام أندريا ديل فيروتشيو، الذي كان مدرس ليوناردو.
على وجه الخصوص، في العديد من صور ليوناردو، يكاد يكون من المستحيل القول متى ينتهي لون ما ويبدأ لون آخر – وهذا واضح في بعض الأجزاء المهمة من لوحاته. وقد دلت الدراسات الحديثة وباستخدام أجهزة الأشعة فائقة الدقة أن ليوناردو استخدم ما يصل إلى 30 طبقة من الورنيش لتحقيق التظليل الدقيق في لوحاته. كل طبقة من هذه الطبقات كانت نصف سماكة شعرة الإنسان . تتمتع المنطقة المحيطة بفم الموناليزا بمستوى مماثل من التفاصيل.
من اللافت للنظر أن ليوناردو، الذي خلق أوهاماً بصرية، لعب على ذلك التناقض بين العينين والدماغ قبل قرون من فهم العلماء للآليات الكامنة وراءه.
مع أخذ كل تخصص على حدة، يمكن التأكيد على أن هناك بلا شك فنانين أفضل أو مهندسين أكثر أهمية أو علماء رياضيات أكبر من دافنشي. ولكن كفرد، كان دافنشي غير مسبوق ويبقى بلا نظير – في الفن أو العلم.
ليست اختراعات دافنشي سوى إبداعات خيال عبقري، جلبها من ملاحظاته الدقيقة للأشياء من حوله، ومن التفكير الدقيق فيما يجري في الطبيعة من حركة دائبة. إنه فنان، ومخترع، ومفكر فريد عبر العصور.
التاريخ: الثلاثاء29-10-2019
رقم العدد : 971