لعب مؤتمر البيئة الخامس المنعقد مؤخراً دوراً مهماً في التحفيز على الاهتمام بنهر بردى، قبل الأمطار الأخيرة التي أحيت مجراه في دمشق بجريان حرم منه طيلة الصيف الماضي وتبدى ذلك بتخصيص ندوة في سياق المهرجان البيئي في قلعة دمشق عن هذا الموضوع بمناسبة اليوم الوطني للبيئة، ودعوة جمعية أصدقاء دمشق إلى محاضرة عن إحياء هذا النهر، علماً أن دمشق هي هبة بردى مثلما القاهرة تماماً هبة النيل.
صحيح أن الفارق كبير جداً في الغزارة، لكن الحقائق نسبية دائماً ومنها أن بردى كان تاريخياً يلائم عدد سكان دمشق وفِي مداخلة على هامش محاضرة الدكتورة غادة بلال التي ألقت في مؤتمر البيئة الأخير بحثاً علمياً عن إحياء بردى، قيل إن عدد سكان دمشق، كان في العام ١٩٠٠ – مئة ألف نسمة فقط لا غير.
ولعل هذه الإشارة السكانية مفتاح – قضية بردى – وهنا يتوجب على الباحثين الانتباه إلى أن النهر الذي نراه، يجري في دمشق هو عملياً نهر الفيجة، إن متوسط غزارة نهر الفيجة – سابقاً – وقبل التغيرات المناخية ٧م٣ /ثا في حين أن متوسط بردى عند النبع في سهل الزبداني ٣م٣/ثا. وثمة ملاحظة أساسية أن نبع بردى في الصيف – تاريخياً هو واحد متر مكعب في الثانية ومنذ ٣٠ سنة حفرت آبار جانب نبع بردى في سهل الزبداني وتم ضخ هذا الواحد متر مكعب إلى خزانات مياه شرب دمشق، أي أن بردى الحقيقي بات (صفر ماء) في بحيرته ومجراه من حزيران وحتى شباط، ويستمر صفراً إذا كانت السنة جافة، أما ما كنّا نراه في الشام وما كان يصل إلى الغوطة، فهو الماء الفائض عن حاجة سكان دمشق لمياه الشرب، من نبع الفيجة. ولَم يعد هذا الفائض موجوداً منذ أن تضخمت دمشق سكانياً (صمم مشروع نفق قاسيون لمياه شرب دمشق في العام ١٩٨٠)، لتلبية احتياجات مليون نسمة واليوم هي ٧ ملايين نسمة وأكثر. هذه الحقيقة تجعل إحياء بردى صعباً جداً ولكن ليس مستحيلاً، والعين اليوم على مياه الصرف الصحي، التي بالمعالجة ترجع صالحة للري، وثمة حلول أخرى كسد العادلية وكان قبل الحرب قاب قوسين من التنفيذ. المهم أن يبدأ التنفيذ ليعود نهر بردى نهراً ذهبياً حسب التسمية -الآرمية- ودمشق أقدم عاصمة في التاريخ تستحق وهي دونه ليست فيحاء (حديقة غناء) بل صحراء للأسف الشديد.
ميشيل خياط
التاريخ: الخميس 31 – 10-2019
رقم العدد : 17111