الملحق الثقافي:
الرسم الذي يهدف إلى تصوير محتوى رمزي للتواصل مع المشاهد، هو رسم متأصل في أعمال الفنانين الناضجين. وقد أصر بعض الفنانين على أن الفن هو «التسليم للرمز»، وأكدوا على أن أهمية اللوحة لا تكمن في «التفسير» وإنما في التفاعل مع المشاهد، الذي يجب إقناعه باللوحات لرؤية العالم على طريقة الفنان، وليس له طريقته الخاصة.
لا يمكننا أن نتعامل مع الإطار العقلي للمشاهدين المستهدفين، عندما ننظر إلى اللوحات القديمة من العصر الحجري القديم، لكن ربما لا ينبغي لنا أن نشعر بالقلق إزاء صحة رد فعلنا عليها. ومهما كانت نوايا الفنانين، يجب أن يكون مهماً رد فعل المشاهدين المعاصرين.
لم يتغير علم الأحياء البشري منذ العصر الحجري القديم الأعلى، وإذا حاولنا تجريد أنفسنا من بعض أمتعتنا الثقافية على الأقل وفتح عقولنا أمام اللوحات، فإن المعاني التي يبدو أنها تتحدث إلينا قد لا تكون بعيدة عن معانيها للمشاهدين الأصليين. وقد كتب الناقد هوارد مورفي «هناك جدلية بين الإنسانية المشتركة». عند النظر إلى اللوحات القديمة من العصر الحجري القديم، نحتاج إلى أن نأخذ في الاعتبار مفهومين قد لا يكونان مألوفين: تجربة التجسيد (الأرواح في الحيوانات) وقبول الجدار كغشاء بيننا وبين عالم الروح. إنه تجسيد مهم بشكل خاص. لا يمكن أن يصبح «الشامان» حيواناً فقط من خلال حالة نشوة، ولكن بالنسبة إلى جميع الأفراد في مجتمعات الصيادين، فإن حدود الذات تكون سائلة، والتمازج مع الروح في شكل حيوان له أهمية أساسية.
قد تكون فكرة المرور عبر سطح غير مألوفة لدى البالغين، لكنها جزء طبيعي من عالم طفولتنا، حيث يمكن للأطفال المرور عبر مرآة أو الجزء الخلفي من خزانة الملابس أو جدار في محطة أو اقتطاع رقعة من الهواء، لدخول عالم يمكن أن تتحدث فيه الحيوانات ويتمكن الأطفال فيه من الطيران. من الضروري أن نضع جانباً النظرة العلمية الحديثة وأن نحاول النظر من خلال عيني المراقب الحاد للطبيعة.
عند النظر إلى اللوحات بهذه الحرية الذهنية، يمكن للمرء أن يرى سلسلة كاملة من المشاعر الإنسانية، تجسد الغضب والعدوان والصراع وكذلك الجمال والنية الطيبة. فمثلاً إن النظر إلى لوحة تمثل صورة شامان يرتدي وحيد قرن، يؤكد على إحساس الهيمنة الذي يبتغيه الشامان. إنه يرتبط بسهولة بالسلوك التنافسي البشري. وفي لوحة وحيد القرن- الشامان، يبدو أن الفنان هو العضو المهيمن من الذكور في المجموعة. إن اللوحة هنا هي أداة للانسجام مع الطبيعة، مع قوتها وحيويتها.
البشر الذين يعيشون بالقرب من الحيوانات آكلة اللحوم، مثل سكان الأراضي العشبية المنغولية الذين يعيشون على مقربة من مجموعات الذئاب، لديهم شعور بالرهبة واحترام القوة التنظيمية والبنية الاجتماعية وتقسيم العمل الذي يدعم نجاح الصيد في المجموعة؛ وقد اعتبر المنغوليون الذئاب مرشدين لهم. كما أن تصوير الذئاب يقوي الحالة الجماعية لدى الأفراد الذين يواجهون الطبيعة. إنها رسالة تأكيد على التآخي بين أفراد المجموعة الواحدة.
تلعب الحيوانات دوراً مشابهاً في المجتمعات المرتبطة بالرمز. إن حركة الحيوانات ونظراتهم الدقيقة، عوامل مثالية لإدراج الغرور الفردي في مجموعة الصيد لما فيه خير الجميع. توحي حيوية ودقة الرسم بأن الفنان قضى فترات طويلة من الملاحظة الهادئة لهذه الحيوانات.
تعتبر اليقظة والسكون والصبر مهمة كجزء من مهارات الصيد وحماية المجموعة من الخطر. تتجسد هذه الصفات أيضاً في طائر كالبوم، الذي يكون قادراً على تدوير رأسه للتطلع إلى الخلف؛ إن رحلة الصيد الخاصة به شبه صامتة.
يشارك الفن في تكريس عطف ورعاية الوالدين الجيدة، حيث لهما أهمية قصوى في الحياة الأسرية والتماسك الاجتماعي والسعادة الإنسانية. وقد صور الإنسان القديم هذا التماسك الإنساني في رسمه للخيول. إذ يتم تمثيل علاقة الحب الإنساني مع الخيول بشكل جيد على العديد من جدران الكهوف.
من الصعب على البشر في القرن الحادي والعشرين فهم موقف بشر الكهوف الذين تشير إليهم الرسومات الرائعة، ربما لأن تاريخنا معقد. لقد صور الإنسان الدببة وهي حيوانات خطرة لا يمكن قبولها، وهي عاشت في الكهوف قبل وبعد فترتي السيطرة البشرية. تم نقل بعض الجماجم التي خلفتها الدببة التي ماتت في الكهف من قبل البشر. لقد نقلت هذه الجماجم إلى مكان للترفيه، أو لنقل إلى أمكنة للعرض، ونالت حصة من الدراسة العلمية. إنها ابنة الكهف الذي سيطر عليه الإنسان.
يُظهر الكهف أيضاً درجة عالية من التطور عندما نقوم بتحديد الأصباغ وتنوعها وإعدادها. لقد استخدم الإنسان القديم ألواناً متعددة في رسم الحيوانات الفردية، واستخدم السقالات للوصول إلى الجدران والسقوف العالية. هناك شيء ممتع حول الحصان «الصيني» وهو يقفز بين أعشاب الحبوب الناضجة التي تشبه الشعير -على الرغم من أن الزراعة المنظمة قد بدأت في فترة تتراوح ما بين 9 و 10 آلاف عام – إلا أن وجود المدقات يشير إلى أنه كان من الممكن استخدام حبوب الشعير في الغذاء. إن أقدم دليل أثري على وجود الشعير البري والمستوطنات البشرية منذ 19000 سنة مضت كان في بلاد الشام. وهو يسبق بذلك أي أثر معروف في أي بلد آخر.
التاريخ: الثلاثاء5-11-2019
رقم العدد : 972