الملحق الثقافي: عقبة زيدان :
الكتابة هي فعل القول، وهي أيضاً – كما يقول جون ديديون – فرض النفس على الآخرين، من خلال حضهم على الاستماع إليك، أو تغيير رأيهم. وبمعنى أكثر دقة: إنها فعل عدائي. ومهما حاولت أن تجمّل الحقيقة بعبارات لماعة وتلميحات، إلا أن ذلك لا يبرئ الكتابة من أن تكون تكتيكاً من الغزو والهيمنة وفرض حساسية الكاتب على مساحة خاصة من عقل القارئ.
فعل الكتابة يحتاج إلى قوة تركيز الانتباه على شيء محدد في لحظة محددة. وهنا يتلاقى الزمان والمكان في نشوة وألم فريدين.
الكاتب شخص يقضي معظم ساعاته في ترتيب الكلمات على قطع من الورق. تومض قواعد اللغة في ذهنه، وتعلن عن قوتها اللانهائية. يبدأ الكاتب بتغيير بنية الجملة العادية، فيغير معنى تلك الجملة؛ إنه يدرك الآن أنه إذا غيّر موضع الكاميرا سيتغيّر شكل الكائن الذي تمّ تصويره. إن الصور هي التي تملي ترتيب الكلمات في عقل الكاتب. وكلما كان الكاتب ماهراً لغوياً، أصبحت اللغة أكثر حيوية وقوة، وخلقت تاريخها الجديد الخاص بها، وكأنها لغة جديدة من رحم اللغة السالفة.
ليست هناك كتابة من دون مهارة لغوية، وإلا فلن تكون الكتابة سوى هدر للورق وللحبر وللوقت أيضاً.
الكتابة هي فعل تغيير، تبدأ من القول المضمر، ولا تنتهي أبداً. إنها فعل استمرار، قابل للتجديد على الدوام. إنها عداونية جميلة تستحق أن تعاش.
Okbazeidan@yahoo.com
التاريخ: الثلاثاء19-11-2019
رقم العدد : 974