في كلمته أبدى بيدرسون مندوب الأمم المتحدة سعادته لوجود المرأة بنسبة ثلاثين بالمئة في الوفد السوري المفاوض الذاهب من دمشق إلى جنيف. ثم عاد وكرر الأمر أمام مجموع الوفود السورية مثنياً على هذه المشاركة.
وبقدر ما استحسنت كلامه بقدر ما استفزني هذا الكلام الذي يدل على عدم الدراية بوضع المرأة السورية وغياب المعرفة حول دور هذه المرأة وما أعطيت من مكاسب هي جديرة بها وتستحقها لأنها امرأة متعلمة.. متفوقة.. مكافحة.. مناضلة والحرب تشهد لها بذلك.. فهي التي قدمت أبناءها فداء للوطن وحملت أعباء الحرب والأسرة والحياة القاسية. ولأن الدولة السورية ساوت بينها وبين الرجل في التعليم وفي الاختصاصات وفي الراتب أيضاً، بعكس كثير من الدول الأوروبية التي تتنطح لحرية المرأة وهذا ما لاحظته بنفسي إذ إن المرأة المهندسة في الغرب تأخذ راتباً أقل من الرجل المهندس.
وهنا تقودني الذاكرة إلى إحدى الأديبات العربيات من الخليج حيث كنا في أميركا وكان وفد صحفي يتجمهر حولنا ويسألنا عن حال المرأة في الوطن العربي ويعطي الإشارات حول وضعها وحول معاملة الرجل لها باعتبارها واحدة من أربع زوجات.. أو واحدة من محظيات كثيرات كما – كما هو مركب في عقل الرجل الغربي باعتباره يقيس كل العصور وكل الشعوب العربية على رواية (ألف ليلة وليلة) فالغربي يظن أن ليالي السمر والجواري والسهر والمحظيات التي تملأ قصص ألف ليلة وليلة لا تزال سارية المفعول حتى يومنا هذا وكأنه لم يلتق أبداً بامرأة عربية تدرس في جامعات الغرب وتستخدم كل وسائل الحياة الحديثة.
وأظن أن الغرب بحد ذاته يعلم الحقيقة، إلا أنه لا يريد أن يعترف بها، ويسعى جاهداً لتكريس هذه الحقيقة عبر تشجيعه للمرأة الكاتبة التي تساهم في تعزيز تلك الصورة المشوهة للمرأة العربية في العصور الحديثة، وهنا أعود إلى زميلتي الكاتبة العربية حين سألتنا الصحافة الأميركية عن وضع المرأة (يعني هم إنسانيون ويوجعهم حال المرأة) فقالت: نحن نعاني من الظلم الذكوري ومن وصاية الرجل وقهره لنا.. والسلطة الذكورية لا تسمح لنا بالسفر ولا بقيادة السيارة.. و.. وراحت تعدد الكثير من المواجع.. وبقدر ما هي على حق.. بقدر ما وجدت أن ذلك يظلم صورة المرأة السورية، التي تعاني بالتأكيد من قوانين ذكورية قاسية ولكن هي تقود السيارة.. وتسافر.. وتدير شركات ومؤسسات ووزارات.. وهي توازي الرجل في الجامعة هذا إذا لم يكن عدد النساء أكثر.. لذلك قلت للصحفي الأميركي معقبة.. ما تقوله زميلتي ينطبق على المرأة في بلدها.
أما في بلدي سورية فنحن تجاوزنا عصر الحرملك وقطعنا بحر ظلمات العادات والتقاليد الذكورية المتخلفة، فأنا أقود سيارة وأسافر ولي وجودي ودوري في المجتمع السوري، لأن المرأة نصف المجتمع، فكيف ستتطور المجتمعات إذا كان نصفها معطلاً عن الفعل والبناء والتعليم والعطاء؟.
وللإنصاف.. لا بد من القول إن المرأة السورية تعاني من قوانين ظالمة ومجحفة في حقها من حيث حضانة الأولاد وتعدد الزوجات والتعويض على المرأة المطلقة وأولادها.. ولكن ما زاد من ظلمها وتراجع دورها هي الحرب الظالمة التي شتت شملها وسلبتها نعمة الاستقرار والأمان وحرمتها حريتها وأبناءها.
ولن يزول ما فعلته داعش وأخوات داعش سابقاً ولاحقاً من ذاكرة المرأة التي تعرضت للسبي والاغتصاب والذبح والبيع والشراء، على مرأى ومسمع الغرب وبمساعدته.. واليوم يتحفنا (بيدرسون) بسعادته بدور المرأة السورية.
كنت أتمنى أن أسأله.. أين كنتم حينما بيعت المرأة كسبية في الموصل والرقة؟ أين كنتم حين سجنت في أقفاص سيارة كالأنعام في عدرا العمالية ودوما؟ أين كنتم عندما كانت في خيام أردوغان وكانت تتعرض للإهانة والذل والاغتصاب، أو في خيام الأردن حيث كانت الفتيات الصغيرات تباع لعجائز الخليج بعد أن كنّ أميرات في مدارسهن وبيوتهن؟.
لكن حين نظرت إلى بعض الوجوه الصفراء في الطرف الثاني من القاعة آثرت الصمت لأن الأيام القادمة هي التي ستحكي وسيكون لكل كلام دوره ووقته.. والسلام.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 20 – 11-2019
رقم العدد : 17127