بقلم-روبيرت فيركايك:
تغص تشريعاتنا القضائية بالكثير من الأحكام التي جاءت كرد فعل على الهجمات الإرهابية الكبرى التي تشهدها لندن، وبتقديرنا أن ما صرح به بوريس جونسون أمس حول ضرورة اتخاذ عقوبات أشد قسوة وتأخير الإفراج عن الإرهابيين هي إحدى ردود الأفعال للهجوم الذي جرى على جسر لندن من قبل إرهابي استخدم السكين في ارتكاب فعلته.
وعقب الحادث على نحو فوري، انبرى جونسون ليقول إنه (من الخطأ السماح لمجرمين يمثلون الخطورة والعنف بالخروج من السجن قبل استيفاء عقوبتهم، ومن المسوغ جداً التخلي عن هذا التقليد بحيث نفرض الأحكام التي تتلاءم مع أفعال المجرمين الخطرين ولا سيما الإرهابيين، واعتقد أن الشعب يرغب برؤية تنفيذ ذلك الأمر)
عمد عثمان خان، 28 عاماً، (الذي أطلق سراحه من عقوبة سجن تبلغ مدتها ثماني سنوات في العام الفائت جراء ضلوعه في مؤامرة لتفجير بورصة لندن للأوراق المالية) إلى قتل شخصين طعناً بالسكين وإصابة ثلاثة آخرين بجراح خطيرة. وقد أطلقت عناصر الشرطة النار عليه بعد دقائق من قيام أشخاص في المكان بطرحه أرضاً، ويبدو أن طبيعة هذا الهجوم باتت مألوفة لدى سكان لندن والسياح في العاصمة إثر الهجمات الإرهابية بواسطة السكاكين التي شهدوها على جسر ويستمنستر وجسر لندن عام 2017.
إن دعوة جونسون لإصدار أحكام قضائية صارمة بالسجن وتشديد المراقبة على الإرهابيين لن تفضي إلى وضع حد لتلك الهجمات، إذ أن سنوات قليلة تقضى خلف القضبان لن توقف مجرماً متطرفاً ومتعنتاً عن تنفيذ أي هجوم بعد مغادرته السجن، لكن ذلك يؤخر قيامه به فقط.
وفي حال كان جونسون جاداً في اجتثاث مخاطر الهجمات المتكررة التي يشكلها إرهابيون مدانون فلزاماً عليه سن قوانين تؤكد بأن الجرائم الإرهابية كافة-مهما كان مدى خطورتها-تستدعي السجن المؤبد دون إفراج مشروط.
بيد أننا نعيش في دولة ديمقراطية ليبرالية تطبق نظام العدالة الجنائية بحيث يتناسب الحكم مع الجريمة، وإذا استمر القانون الجنائي بمنح الثقة للشعب فإنه يجب أن تكون سياسة إطلاق الأحكام متلائمة معه، وليس هناك من يستخدم أحكاماً غير متناسبة بغية إقصاء أعداء الدولة عن ممارسة حياتهم دون أن يحدوهم أي أمل في الإفراج سوى الأنظمة الدكتاتورية.
ثمة وسائل تمتلكها الدولة تمكنها من تخفيف مخاطر تكرار السجين لجريمته، ومنها تعزيز قوات الشرطة والأمن بحيث يصار إلى تسيير دوريات مراقبة في الشوارع وخاصة أن لدينا أعداداً كافية من ضباط الاستخبارات الذين بإمكانهم تقييم الخطر الذي يشكله أشخاص يعيشون في مجتمعاتنا، وهناك إجراء آخر يمكن اتخاذه يتمثل في التأكد من توافر خدمات إعادة التأهيل في السجون وتوفير عدد كاف من ضباط المراقبة يتلخص دورهم في مساعدة الجاني بالعودة للانخراط في المجتمع، لكن على مدى السنوات التسع الماضية جرى تقليص أعداد الضباط وتراجعت خدمات إعادة التأهيل والمراقبة إلى الصفر.
ربما لم يكن بإمكان الضباط الحيلولة دون وقوع هجوم يوم الجمعة، لكن فرق مكافحة الإرهاب التي ترصد تحركات الإرهابيين المفرج عنهم من السجن كان يمكنها أن تؤدي دوراً حيوياً في تقييم الخطر الذي يمثله أولئك المجرمون.
لقد قاد أمر إجراء تغييرات في نظام المراقبة التي أُدخلت حيز التنفيذ منذ عام 2014 إلى تذمر ضباط المراقبة جراء عدم تمكنهم من القيام برصد تام لتحركات الجناة الذي يشكلون خطراً كبيراً، ومنذ مدة طويلة أبدى الخبراء، ومنهم رئيس مفتشي المراقبة، مخاوف أن يؤدي الاضطراب الحاصل جراء عدم تحديد المسؤولية عن أولئك الذين يخضعون للمراقبة إلى الإخفاق في رصد تحركات الجناة.
في عام 2012، حكم على خان بالحجز لأمد غير محدود بهدف (حماية الناس) بالإضافة إلى سجنه مدة لا تقل عن ثماني سنوات، وفي ذات العام ألغت حكومة الائتلاف هذا النوع من الأحكام، وفي عام 2013 نجح خان في استئناف الحكم وأطلق سراحه في كانون الأول من العام الماضي.
في ذلك الحين، قال كبير القضاة اللورد ليفيسون: (إن أي شخص يدان بمثل هذه الجريمة يجب عليه إثبات أهليته كي يطلق سراحه، لكننا نرى أنه من الأفضل ترك هذا القرار إلى (مجلس الإفراج المشروط) للنظر في مثل هذا النوع من الأحكام وتحديد الزمن المناسب الذي يصبح به الإفراج ممكنا). إن ما ذكر يؤكد استحالة احتجاز إرهابيين مثل خان وفقا لأحكام القانون إلا أنه كان شخصاً معروفاً لعناصر الشرطة والاستخبارات البريطانية عند إطلاق سراحه وكان من الضرورة إضافة اسمه إلى القائمة المتزايدة للأشخاص الذين يجب مراقبتهم.
تشترك قيادة مكافحة الإرهاب في سكوتلند يارد والاستخبارات البريطانية وهيئة الاتصالات الحكومية البريطانية في قاعدة بيانات تضم 23000 قضية هامة، ويعطى الأولوية لـ 3000 شخص يعتقد بأنهم يشكلون الخطر الأعظم. ووفقاً لنظام مراقبة الاستخبارات البريطانية فإن 500 شخص يعطون الأولوية القصوى ويجري التحقيق معهم ضمن عمليات مكافحة الإرهاب المتواصلة.
بيد أن الهجمات الأخطر التي يتعين الحيلولة دون وقوعها (على غرار النوع الذي شهدناه في يوم الجمعة) يتم تنفيذها من قبل ما يسمى (بالذئاب المنفردة) التي تعمد إلى التخطيط البسيط، إذ يلاحظ أنه منذ الهجمات الإرهابية التي تمت في 11 أيلول عام 2001، أطلق سراح 500 إرهابي في المملكة المتحدة، كما أن الحرب على سورية أفضت إلى تزايد كبير في هذا الرقم، وتبين لنا أنه يتم الإفراج عن إرهابي مدان واحد كل أسبوع، ومن الصعوبة بمكان للقوى الأمنية مراقبة تفكير كل إرهابي جرى الإفراج عنه.
إن الواقع المؤلم الذي نعيشه يتمثل في كون الشر الكامن لدى إرهابيين مدانين على غرار عثمان خان لم يكن إلا ثمن محافظتنا على العيش في دولة ديمقراطية حرة.
The Independent
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 3-12-2019
الرقم: 17137