ذبح الجمال أمام الرئيس الشرع.. قراءة في البعد الثقافي والسياسي لاستقبال حماة

الثورة – إيمان زرزور:

لم يكن استقبال الرئيس أحمد الشرع في مدينة حماة حدثاً عادياً، فالمشهد الذي أقدمت عليه حشود من الأهالي بذبح “سبعة جمال” أمام موكبه الرئاسي يختزن رمزية ثقافية ودلالات سياسية واجتماعية عميقة تتجاوز حدود الطقس الشعبي إلى التعبير عن لحظة مفصلية في علاقة المدينة بالدولة السورية الجديدة.

في الثقافة العربية عامة والسورية خاصة، يشكّل ذبح الذبائح عند استقبال الضيف الكبير طقساً راسخاً للتعبير عن الكرم وإظهار مكانة الضيف، وإذا كانت الذبائح عادة تُختصر بخروف أو عجل، فإن اختيار “الجمل” – باعتباره أرقى الذبائح وأكثرها قيمة – يمثل أعلى درجات الترحيب.

وقيام أهالي حماة بذبح “سبعة جمال” دفعة واحدة أمام الرئيس “الشرع” في أول زيارة له للمحافظة عقب توليه منصبه، يعكس رسالة واضحة بأن الاستقبال لم يكن بروتوكولياً، بل نابض من روح المدينة التي أرادت أن تقول للرئيس: “أنت ضيفنا الكبير، ونحن نفتح لك قلوبنا بكرم أهل الفداء”.

للرقم “سبعة” مكانة خاصة في الثقافة الشعبية والدينية؛ فهو يرتبط بالكمال والتمام والبركة، من السماوات السبع إلى أيام الأسبوع السبع إلى الطواف حول الكعبة سبع مرات، وذبح سبعة جمال أمام الرئيس الشرع يمكن أن يُقرأ كتعبير عن الوفاء الكامل والولاء الكامل، وكأن الأهالي أرادوا أن يرسلوا رسالة رمزية تقول: “ولاؤنا للدولة الجديدة كامل غير منقوص، وتضحيتنا من أجلها تصل إلى حد الكمال”.

لا يمكن قراءة هذا المشهد بعيداً عن الذاكرة التاريخية للمدينة، فحماة التي لُقبت بـ”أم الفداء” لا تزال تحمل جرح أحداث الثمانينيات، حين ارتكب نظام الأسد البائد واحدة من أبشع المجازر في تاريخ سوريا المعاصر.

وعلى مدى عقود، كانت العلاقة بين المدينة والدولة محكومة بالريبة والمرارة والتهميش المتعمد، واستقبال الرئيس “الشرع” اليوم بذبح الجمال ليس مجرد طقس ترحيبي، بل هو “إعلان سياسي شعبي” عن استعداد حماة لفتح صفحة جديدة في حقبة ما بعد الأسد، والاندماج في مشروع الدولة الوطنية، وأنه بمثابة توقيع رمزي على المصالحة بين المدينة والدولة.

المشهد اللافت أن هذه الخطوة جاءت من الأهالي أنفسهم، بعيداً عن الطابع الرسمي أو الترتيبات الأمنية الصارمة التي كانت تميز زيارات الإرهابي البائد بشار الأسد، في الماضي، كانت الزيارات تُدار عبر أجهزة المخابرات وتُفرض فيها الشعارات والهتافات، أما اليوم فالمشهد الشعبي بدا تلقائياً وعفوياً، وذبح الجمال بهذا الشكل يعني أن “الشعب يعبّر عن إرادته الحرة”، وأن العلاقة الجديدة مع الرئيس الشرع تقوم على القرب والتواصل المباشر، لا على الخوف والإكراه.

طوال عقود، دفعت حماة ثمن أحداث الماضي من التهميش الاقتصادي والسياسي، إذ عاشت عزلة واضحة عن مشاريع التنمية والاستثمار، بينما ارتبط اسمها بالحرمان والرقابة المشددة، لذلك فإن استقبال الشرع بهذا الطقس الشعبي يحمل معنى أعمق: حماة تريد أن تعلن عودتها إلى قلب الخريطة الوطنية، وإنها تقول: “نحن هنا، جزء من سوريا الجديدة، مستعدون لنكون جزءاً من عملية الإعمار والتنمية، ومستعدون لاحتضان الدولة كما تحتضننا هي”.

المشهد بكامله يعكس تحولاً في الثقافة السياسية السورية، ففي حين ارتبط النظام السابق بالرهبة والقمع، يسعى الرئيس أحمد الشرع إلى تكريس نموذج جديد يقوم على المصالحة والمصارحة والانفتاح على الشارع، ومثلما خاطب أهالي حمص قائلاً: “أنا صهركم”، جاء استقبال حماة بذبح الجمال كتأكيد على أن العلاقة بين القيادة والشعب تدخل مرحلة جديدة قائمة على الثقة المتبادلة والتواصل الشعبي المباشر.

ما حدث في حماة ليس مشهداً محلياً معزولاً، بل هو “رسالة وطنية شاملة”، فذبح سبعة جمال أمام الرئيس ليس فقط تعبيراً عن كرم أهل حماة، بل إشارة إلى أن المدن التي عانت من الجراح والخذلان في العقود الماضية، باتت مستعدة للمصالحة والانخراط في المشروع الوطني، هذه المصالحة الشعبية هي شرط أساسي لبناء سوريا الجديدة على أساس من العدالة والكرامة والتنمية.

آخر الأخبار
شراكة وطنية ودولية غير مسبوقة لكشف مصير المفقودين في سوريا لا أحد فوق القانون حين يتكلم الشرطي باسم الدولة    "المنطقة الصحية" في منبج تدعو لتنظيم العمل الصيدلاني وتوحيد التراخيص  "صحة درعا" تحدث ثلاث نقاط إسعاف على الأتوتستراد الدولي افتتاح مشاريع خدمية عدة في بلدة كحيل بدرعا قلوب صغيرة تنبض بالأمل في مستشفى دمر 11 ألف شركة في 9 أشهر.. هل تُنعش الاقتصاد أو تُغرق السوق بالاستيراد؟ سوريا في COP30.. لمواجهة التحديات البيئية بعد سنوات من الحرب "سمرقند" تجمع سوريا وقطر على رؤية مشتركة للنهوض بالتعليم الكهرباء تتحرك ميدانياً.. استبدال محولات وتركيب كابلات في مناطق بريف دمشق حق التعلم للجميع..مشروع رقمي يضع المناهج بمتناول كل طالب حلب تطلق النظام المروري الذكي.. خطوة نوعية لتسهيل حياة المواطنين دول تتحول الى مقابر للسيارات التقليدية  "آيباك" تقود التيارات الرافضة لإلغاء العقوبات الأميركية على سوريا أزمة صحية خانقة تواجه سكان قرى حماة.. وطريق العلاج طويل زراعة الفطر.. مشروع واعد يطمح للتوسع والتصدير هوية تنموية لسوريا الجديدة  اهتمام دولي بزيارة الشرع لواشنطن ودمشق تستثمر الانفتاح الكبير لإدارة ترامب هل تستعيد الولايات المتحدة العجلة من "إسرائيل" المدمرة مؤتمر"COP30 " فرصة للانتقال من التفاوض والوعود إلى التنفيذ