الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
يعد المكان مفتاحاً من أهم مفاتيح قراءة النص الروائي، لما يشكل من علاقات مع مكونات النص الروائي، فهو يحدد في كثير من الأحيان، اتجاه النص الروائي وطبيعته. والمكان عموماً ليس عاملاً طارئاً في حياة الإنسان، وإنما يتغلغل عميقاً في الكائن الإنساني، ليصبح جزءاً صميمياً منه، وذلك لأن المكان- كما يرى أحد النقاد – هو الحيز الذي يحتضن عمليات التفاعل بين الأنا والعالم، ومن خلاله نتكلم، وعبره نرى العالم، ونحكم على الآخر.
والكتاب الشهري الذي صدر مؤخراً ضمن سلسلة «آفاق ثقافية» عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي يحمل عنوان (فضاءات الجسور في الرواية العربية)، تأليف: د. هايل محمد الطالب؛ يحاول تقديم قراءة تتوقف عند حيز مكاني جزئي، برز كثيراً في الرواية العربية، هو حيز الجسور، الذي جاء عنواناً، ومحرضاً سردياً في روايات عربية كثيرة.
قُسم هذا الكتاب إلى تمهيد تأسيسي، وخمسة فصول. يتوقف المؤلف في التمهيد عند مصطلحي الفضاء والمكان، وما يكتنفهما من غموض واختلاف، ثم يوجز القول في أهم دلالات هذا الأمكنة في السرد العالمي ثم في الأدب العربي، انطلاقاً من أنها تشكل مرجعيات ثقافية لكل كتابة عن الجسور، كما أنها قد تشكل فضاء لدراسات مقارنة لاحقة.
الجسر المُنتهك، والجسر التراجيدي
في الفصل الأول ذي العنوان (الجسر المُنتهك والهوية المهمشة) يتخذ مؤلف الكتاب رواية (جسر بنات يعقوب) لحسن حميد أنموذجاً وذلك كون هذه الرواية قد حاولت تجاوز أهم ما ميز رواية المكان الفلسطينية، من كونها كانت تنطلق من حق الذات في المكان، لذلك كان الفلسطيني الإنسان يجد نفسه مدافعاً عن المكان بالمعنى الجغرافي، فغاب التشفير الدلالي وحضرت الحجة الواقعية والدليل التاريخي والاجتماعي والنفسي، مع إغفال لحضور الآخر، أو الانطلاق منه في تقديم المكان. ويرى مؤلف الكتاب أن الانزياح في رواية (جسر بنات يعقوب) تجلى في ناحيتين مهمتين منحتا هذه الرواية خصوصية واختلافاً؛ ارتبطت الناحية الأولى منهما بالتكنيك الروائي الذي اتخذه السارد حسن حميد، فيما تميزت الناحية الثانية من كون الرواية قد احتفت بالمكان، فبطلها كان الجسر وما يحيط به.
فيما يتناول الفصل الثاني من هذا الكتاب والذي يحمل عنوان (الجسر التراجيدي: فضاء الهزيمة وانكسار الأحلام)، رواية (حين تركنا الجسر) لعبد الرحمن منيف، ويوضح هذا الفصل أن من ينظر إلى رواية عبد الرحمن منيف في سياق إنتاجها التاريخي عام (١٩٧٤)، يلاحظ بلا شك أننا أمام سردية متجاوزة لمألوف السرد العربي، فالسارد ينطلق من المكان الجزئي «الجسر» ليبني عملاً روائياً شكل تحولاً على صعيد التكنيك الفني لتجربة منيف خاصة، ولتجربة الرواية العربية بشكل عام.
جسر الهاوية، والجسر المتشظي
يتوقف د. هايل الطالب في الفصل الثالث من هذا الكتاب، والذي يحمل عنوان (جسر الهاوية والجسر الدرامي)، عند أنموذجين سرديين من الرواية الجزائرية اتخذا من المدينة الجزائرية «قسنطينة» حيزاً مكانياً للسرد وفضاء حاملاً لإمكانياته ودلالاته؛ الأنموذج الأول هو أنموذج تأسيسي للسرد الروائي الجزائري يتمثل برواية (الزلزال) للطاهر وطار، والأنموذج الثاني حداثي يمثل تطور حركة السرد في الرواية الجزائرية، وانحيازها إلى الشعرية في السرد، والتعمق في فلسفة المكان، ويتمثل برواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي.
بينما يتوقف في الفصل الرابع عند فضاء التشظي الدلالي للفظة الجسر في الرواية العربية من خلال عملين روائيين آخرين، هما: رواية (همس الجسور) للكاتب العُماني علي المعمري، ورواية (الجسر) للكاتب السوري صهيب عنجريني. ويوضح أن المسوغ النقدي لاختيار هذين الأنموذجين في هذا الفصل، هو مسوغ فني، فالبطل في الروايتين مشغول بالجسور، وبالبحث عن مضمراتها ودلالاتها.
الجسور عتبات ومتون
يعقد المؤلف فصله الخامس والأخير من هذا الكتاب للحديث عن الروايات العربية التي اشتمل عنوانها على لفظة الجسر، منطلقاً من أن العنوان هو اختصار وتكثيف دلالي للمضمون، كما أنه يشكل خلفية محرضة على السرد، أو ذريعة له، أو حيزاً مكانياً مسبباً للسرد. وعليه فإن هذا الفصل هو بحث في مضمرات العنوان، ودسائسه المبتغاة، وعلاقاته بالمتن الحكائي من خلال تقسيم تلك العتبات إلى عدد من الجسور.
التاريخ: الثلاثاء17-12-2019
رقم العدد : 978