«لا تقتل عصفوراً ساخراً»..فالضمائر الحيّة.. توثّق الظلم والعنصرية
ثورة أون لاين- هفاف ميهوب:
العالم قاسٍ في ظلمهِ واضطهاده وأنانيته، والإنسان فيهِ ليس شجاعاً إلا بتسلطه وعدوانيته.. قيمته ليست بالهيمنة التي يمارسها، ولا بالأنا التي يحرسها.. ليست بقدرته على الظلم في الوقت الذي يدعي فيه الإنسانية، ولا بعنجهيته الغارقة في عللها، في الوقت الذي يدّعي فيه الديمقراطية..
إنه العالم الأميركي، الذي يشهد التاريخ على ظلمه وعنصريته، والذي انتقده حتى الكتاب من أبنائه، ومنهم «نيللي هاربرلي» التي عايشت هذه العنصرية على مدى سنواتٍ وثقت بعدها ما يعكس بشاعة أخلاق وأفعال هذا العالم الغارق بأنانيته..
فعلت ذلك، عبر صرختها الناقدة والغاضبة جداً.. «لا تقتل عصفوراً ساخراً».. الرواية التي لم تجعل الطفلة «سكوب» هي من يرويها، إلا بهدف تقديم رسالة للأجيال التي أرادتها أن تكون أكثر أخلاقاً ووعياً من الكبار الذين أوغلوا في انتهاك حقوق الشعوب وإنسانيتها، وإلى أن باتوا لعنة كانت ومازالت تتمادى في قتل الحياة وعصافير الفرح المحلقة في فضاءاتها.
نعم، لقد بات الكبار لعنة تتفاقم وتتجدّد باستمرار، وهو ما أكدته الوقائع التي نعيشها وكانت «هاربرلي» قد سلطت عليها مفردات لغتها.. سلَّطتها، عندما واجهت الولايات المتحدة الأميركية، بحكمتها الطفولية.
«إنكِ لن تفهمي شخصاً، حتى تأخذي الأمور من وجهة نظره.. حين ترتدين جلده وتعيشين فيه.. عليكِ ألا ترفعي رأسك عالياً، وألا ترفعي قبضتك، حاولي القتال برأسك كنوع من التغيير»..
في هذه الرواية، تنقلنا الكاتبة إلى فترة زمنية، وإن كانت تعود إلى مطلع القرن الماضي، إلا أن ما عاشته الطفلة «سكوت» مع شقيقها ووالدها المحامي، يتشابه مع ما تعيشه الكثير من العائلات، في ظلِّ أميركا العصر الحالي.
إذاً، في الرواية التي تقدم وعياً خاصاً بالحياة، عينٌ ترصد ومنذ نصف قرن، كل زمان ومكان يتصل بالفرد والمجتمعات.. فيها دخول إلى عالم الطفولة التي تنظر إلى الحياة من منظور نظيف ونقي، يختلف كثيراً عن العالم المهيمن والعنصري.
فيها أيضاً، قيمٌ دلت عليها الكاتبة عبر حكاية بطلة روايتها.. الطفلة التي هي صوت الضمير، في عالم مزّقته أحقاد العالم الكبير:
«قبل أن أستطيع معايشة الناس الآخرين، عليَّ أن أستطيع معايشة نفسي.. إن الشيء الوحيد الذي لا يلتزم برأي الأغلبية، هو ضمير الإنسان».
إنها وثيقة عادلة، تدين أميركا المجرمة في سعيها لقتل عصفورٍ ترى في تغريده جمالاً لا يوافق بشاعتها، وفي فضائه حرية تتناقض مع ضيق إنسانيتها.. وثيقة، تجسد ما كانت الكاتبة قد عاشته في ستينيات القرن الماضي، و في زمن العنصرية اللّونيّة والعرقية.
باختصار.. هي صرخة تربوية أخلاقية في وجه هذا المارد الجبار.. صرخة عادلة، تواجه ظلمه وجبروته، بإنسانية حكيمةٍ وفاضلة.