ثورة أون لاين:
يظن الكثيرون أن الولايات المتحدة الاميركية تمضي نحو استغلال العالم والسيطرة عليه من خلال قوتها العسكرية المفرطة , ناسين أم متناسين أنها لم تفعل ذلك إلا من خلال التخطيط العلمي المسبق , ومن خلال مراكز الدراسات التي تضع خططا بعيدة المدى, والعقل ألاميركي النفعي الذرائعي يعرف ما يريد وكيف يصل إلى ذلك , للوقوف عند آاليات التفكير هذه يأتي كتاب شوقي جلال المعنون (العقل الاميركي يفكر ..من الحرية الفردية على مسخ الكائنات ) ليوضح كواليس ودهاليز التفكير الاميركي , وإلى يتجه وكيف يفعل , صدر الكتاب منذ عدة سنوات , ,اعيدت طباعته مرات ومرات , ولابد من التذكير به دائما لأهميته , فما من موقع الكتروني إلا وتجد دراسات عدة عنه , نقف عند خطوط الكتاب العريضة ..
يقول المؤلف :سبقت هيمنته الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الصعيد العالمى محاولات للهيمنة الثقافية اطردت واتسع نطاقها حتى باتت الثقافة الأمريكية غذاء عالمياً لصناعة العقول والتلاعب بها. منذ مطلع القرن العشرين طغت الثفافة الأمريكية في تزامن مع تحول ميزان القوى العالمية الغربية إلى الغرب الأقصى، أعني من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. شاعت منذ ذلك التاريخ أفلام هوليود وموسيقى الجاز والروك وكل رموز ثقافة المجتمع الأمريكى والمظاهر المادية لمستوى المعيشة وأسلوب الحياة في المأكل والملبس والحياة الاجتماعية والعادات الاستهلاكية واستثمار وقت الفراغ والنظرة إلى الحياة. وكان هذا نهجا مقصوداً عبر عنه أكثر المفكرين والفلاسفة والساسة ورجال الأعمال الأمريكيين. وفي هذا الصدد قال الرئيس الأمريكى الأسبق تيودور روزفلت (1858 ـ 1919): “أمركة العالم هي مصير وقدر أمتنا”. واستثار هذا النهج دول أوروبا ـ القوى العالمية السابقة. ويواجه هذا النهج أيضاً الآن منافسة وتحدياً من قوى صاعدة أو تقليدية. وعبر عن ذلك الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي جاء إلى الرئاسة يؤكد سعيه إلى التغيير بهدف استعادة الحكم الأمريكي حين قال في خطاب ترشيحه للرئاسة: “أعرف أن منافستنا في المستقبل ستكون مع ألمانيا وبقية أوروبا واليابان وبقية بلدان آسيا. وأعرف أننا بصدد أن نخسر زعامة أمريكا للعالم لأننا نخسر الحلم الأمريكى هنا في الداخل”. ترى ما هو الحلم الأمريكى في مجتمع أمريكى عظيم، وما هى حدوده؟ وما هو موقف العالم الثالث بعامة وموقفنا نحن تحديداً إزاء ما يفكر فيه العقل الأمريكي ويرسمه ليصنع مصيرنا وقدرنا؟
العقل الأمريكي له السيادة متصدراً حضارة عالمية متفوقة مهيمنة وآسرة. يعرف جوانب قوته وضعفه، ويدرك واعياً تحدياته، ويرسم خطى مستقبله للمواجهة. يعي حركة التاريخ ودور أقطاب الحضارة. حضارة عصر ما بعد التصنيع وتفجر المعلومات وما تفرضه عليه من مهام وتطرحه أمامه من أطماع، وسبيله إلى تحقيق الحلم الأمريكي التقليدي بإنشاء المجتمع العظيم الذي تدين له أمم وشعوب العالم بالولاء طاعة أو قسرا.
والعقل الأمريكي بهذا المعنى وبهذا الحضور المهيمن في العالم لم يعد مجرد موضوع للدراسة، أو مجرد مشكلة خارج الذات مطروحة للبحث، بل بات قوة مؤثرة على نسيج خبرات الذات التي هي أداتنا في صناعة عقلنا القوي، أو إطارنا المعرفى/ القيمي ومنطلقنا للتحرر والنهضة وبناء الإنسان المصري العربي. ترى كيف تكون حالة العلاقة معه في التعامل معه؟ هل هى علاقة تفاعل جدلي؟ أم رفض وانكفاء على الذات خارج التاريخ؟ أم احتواء لنا من جانبه؟
وما هو واقع حالنا الذي يدعم أياً من هذه الإجابات بعيداً عن العبارات الإنشائية؟
الموقف الإيجابى للتفاعل الجدلى يستلزم فهم الآخر. إذ مثلما أن فعالية المجتمع رهن توفر صورة عقلانية نقدية عن الذات (التاريخ/ الفعالية الراهنة/ الرؤية المستقبلية الهادية للحركة) كذلك لا بد وأن تتوفر معها صورة عن الآخر تأسيساً على معرفة واقعية لا تنزع إلى التهويل والمبالغة المسرفة في تعظيم الآخر من واقع الشعور بالدونية ونكون فريسة له؛ ولا تنزع إلى التهوين من الآخر من منطلق نرجسية زائفة فتضيع من أقدامنا الطريق.
ان صورتى عن الذات لن تكتمل إلا بتوفر صورة عن الآخر شريطة أن نصوغ هذه الصورة على هدي عقل ندي للذات وللآخر معاً عبر الحقيقة في إطار زمانى مكانى نعايشه؛ أعني عبر معلومات صادقة علمية راهنة غير متوهمة ولا أسطورية، ويجري توظيفها لصالح حركة مستقبلية تعبر عنها استراتيجية تنموية قومية شاملة لكل مجالات أنشطة المجتمع وتصوغ رؤيتنا للحياة والإنسان، للأنا والآخر. إن حركة الجسم والمجتمع رهن بناء أي منهما بناء سليما وفهم عناصر المقاومة أو العناصر الفاعلة في المجال سلباً وإيجاباً، والتزام نهج تحليلى تركيبي لخطاب الأنا التاريخية إلى نفسها؛ أعني نقد التراث، وخطاب الآخر إلينا.
ولكن حري بنا، ونحن بصدد نقد الذات والآخر، أن نمايز بين: أ ـ توظيف الفكر بمسماه لصالح فئة اجتماعية؛ وبين ب ـ مقتضيات ومستجدات الحقبة الحضارية من حيث الإطار الفك
ري القيمي في تمايزها عن سوابقها، وفي إضافاتها إلى الحقبة الجديدة والى إنسان/ مجتمع العصر الجديد.
وهذه تفرقة ضرورية وهامة جداً لأنها أولا تكشف مجلى التزييف الذي واكب جميع الحضارات، ولازم جميع المذاهب والمعتقدات عند التطبيق ومع حركة التاريخ وتغير الواقع وتباين الفكر والمصالح. ولهذا نمايز بين مقومات الحضارة من حيث الفكر والقيم وبين أطماع قوى اجتماعية دالت لها السلطة. وثانياً تبين هذه التفرقة طبيعة القوى الاجتماعية المضارة بهذا التزييف وصاحبة المصلحة في التحالف من أجل التصحيح أو التغيير خاصة بالنسبة لشعوب العالم الثالث التي لها أن تقبل مقومات الحضارة الجديدة وهي على طريق التحديث وتضيفها إلى نسيج حياتها في ثوب حداثي جديد مع الاحتفاظ بالمدلول الاجتماعى الأصيل لهذه المقومات دون تزييف، ولها أن تلتمس حلفاءها بين القوى الاجتماعية الأخرى حتى بين مجتمعات الغرب سعياً نحو مضمون إنسانى شامل للمقومات الحضارية.
اعداد : رشا سلوم