إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في إطار الحرب والعدوان، وفي سياق انتهاج سياسات البلطجة، تَسلك الولايات المتحدة، والغرب كتابع لها لا يَملك من أمره سوى الالتحاق بها، عدة مسارات، إذا كان أقذرها تَبني الإرهاب الصهيوني المُنظم، ورعاية التنظيمات الإرهابية التكفيرية، فإنّ المسار الآخر، الحصارُ والعقوبات، لا يقل قذارة لأنه ينطوي على إرهاب من نوع آخر، هو الإرهاب الاقتصادي الذي يَستهدف المُجتمعات والشعوب لا الحكومات فقط.
مسارُ العقوبات أحادية الجانب كان على الدوام سلاحاً آخر بيد أميركا والغرب الاستعماري، تُمارَسُ من خلاله الضغوط في أثناء العدوان، قبله وبعده أيضاً، خصوصاً عندما تُمنى مُخططات الحرب والعدوان بالهزيمة، أو عندما تتكسر على صخرة صمود الطرف المُستهدف. نحن في سورية، ومعنا أشقاء وأصدقاء حول العالم، اختبرنا هذا النوع من المُواجهة، ولنا تَجربة تُحتذى في التصدي والثَّبات.
مارغريت تاتشر حتى آخر لحظة بحياتها ربما بَقي الشعور بالقهر يُلازمها، فلا عقوباتها أنتجت، ولا التحاق آخرين بمُحاولة حصار سورية كانت مُجدية. من بَعدِها خاضت سورية تجارب مُماثلة أثبتت فيها أن إرادة الصمود أقوى، وأكدت من خلالها أن مُحاولات التضييق وإجراءات الحصار مهما اشتدت، لن تُؤدي لثَني أصحاب الحق عن مَواقفهم، بل شَكّلت الحافز مرة بعد أخرى ليس فقط للتمسك بالحق وإنما لتسجيل خطوات نوعية في الاعتماد على الذات والتخلي عن الكثير مما صار يُنتج وطنياً.
القارة العجوز التي تُجدد من بروكسل التزامها بأوامر واشنطن عَشية تشديد الأخيرة ما يُسمى “قانون قيصر”، تُثبت مُجدداً أنها لم تَفهم دروس الماضي، وربما لن تَفهمها طالما بَقيت على عَجزها وارتهانها، مَسلوبة القرار والإرادة، تَلهث خلف التقديرات الكارثية الخاطئة، وتُضيف إلى سجلاتها المُتخمة بالقذارة ما لا حاجة لها به!.
مسارُ العقوبات ضد سورية الذي يَسلكه الاتحاد الأوروبي المَأزوم في بُنيته، وبعلاقاته مع العالم، لن يُرسخ إلا حقيقة عدم استقلاليته، ولن يُثبت إلا نفاقه وتَبعيته المُذلة لأميركا، ولن يُحمله إلا مَزيداً من المَسؤولية عن شَراكته مع أميركا كجهة حصرية تَرعى الإرهاب، وبالتالي لن يُبقي له أيّ وزن في السياسة الدولية، فضلاً عن أنه يَنزع عنه الصدقية والمَوثوقية التي لم يَبقَ له منها ما يَستحق الذكر!.
التجديدُ الأوروبي للالتزام بالعقوبات الأميركية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري، ناهيك عن أنه الإجراء الذي يَنطوي على كل ما تَقدم، فهو ليس إلا الأنموذج والمثال الذي يُؤكد ضعف أوروبا، وحماقة قادتها، ذلك أنّ بروكسل التي تَختزل اليوم لندن وباريس وبرلين و.. و.. ذهبت بمَوقفها من انقلاب واشنطن على الاتفاق النووي الإيراني لتَكريس حالة الضعف، وراحت بعَجزها عن تنفيذ آلية “إنستكس” مع طهران لتَثبيت حالة التبعية المُذلة لأميركا.. كذا يَتكرر الأمر باتجاهات أخرى!.
تَبدو حاجة القارّة العجوز مُجتمعة، أو مُتفرقة، لدروس إضافية حاجة مُلحة، قد لا تَنجح بإخراجها مما هي فيه، غير أن الفُرصة سانحة أمامها لتتعلم منها إن امتلكت الإرادة. الرسائلُ، المُعادلات، الماثلة الواضحة مُرتسماتها في المنطقة وحول العالم، آخرُها تلك التي كان الكاريبي شاهداً عليها، ستَبقى مُتاحة لتتعظ منها بروكسل قبل فوات الأوان.