ثورة أون لاين- فاتن أحمد دعبول:
فاتح المدرس يرسم عالمه التشكيلي الخلاق
أيقن بأن الفنون الجميلة والتعايش في ظلال مفاهيمها هي إحدى الطرق لإبعاد الكوارث اللاأخلاقية عن مسيرة الخير والجمال والديمقراطية، فماذا وضع فاتح المدرس في أعماق أعماله الإبداعية التصويرية من تخلقات ورموز وكيف استطاع أن يكون حقاً على الطريق الصحيح الصعب على حد قول أحد أساتذته في روما؟
في ندوة قامات في الفكر والأدب والحياة الشهرية والتي خصصت للفنان فاتح المدرس واستضافتها مكتبة الأسد الوطنية بمشاركة نقاد وفنانين تشكيليين، وحملت عنوان” فاتح المدرس بين اللون والحرف، عالم من التشكيل الخلاق” أدارها اسماعيل مروة وسلط الضوء على أدب فاتح المدرس من خلال بعض مجموعاته القصصية.
د. عبد الكريم فرج: شهاب قادم من الشرق
استطاع الفنان فاتح المدرس بمجمل أعماله ومعالجاته لعمله التصويري أن يلخص لنا رموزه المنتشرة في أرجاء اللوحة والتي كان أهمها صورة المرأة التي قلما تفارق لوحاته الفنية والتي كان يعتبرها من أهم العناصر الوجدانية التي يحملها في ذاكرته والتي شكلت أهم منابع الثروة الوجدانية التي تسكنه وتملأ ذاكرته، وخصوصا أنه شهد مقتل والده، وعاش في كنف والدته التي كانت بمثابة الأرض والوطن وملهمة الإبداع.
ويضيف د. عبد الكريم فرج أن لوحاته هي قلائد تتوغل في دروب المجهول وتحاكي أيام طفولته في” حريتان” في أرض الفرات، وظهرت على شكل لوحات تصويرية تحمل سطوحاً تسكنها ألوان من تراب الأرض، ومنها لوحته” كفر جنة” التي حازت على الجائزة الأولى في المعرض الذي أقامه المتحف الوطني في دمشق، ومن يغوص في عالمه الوجداني والتشكيلي لا يسعه إلا أن يؤكد أننا أمام شهاب قادم من الشرق يستحق أن نسميه فاتح المدرس.
سعد القاسم: موهبة تشكيلية وثقافة شمولية
وتوقف الناقد التشكيلي سعد القاسم عند سيرة المدرس وأهم المحطات في حياته وخصوصاً مشاركته في معارض عديدة منها في الولايات المتحدة والسويد وإيطاليا، والأهم فوز لوحته” كفر جنة” بجائزة المعرض الثالث للفنون التشكيلية والتي اعتبرت فاتحة اتجاهات الحداثة في الفن التشكيلي السوري.
وبين بدوره أن أهمية المدرس تجلت في ثلاثة اتجاهات أساسية، أولها إبداعاته التشكيلية على اختلاف سويتها وفهمها، وثانيهما، ريادته كفنان معلم لمفاهيم الحداثة في الفن التشكيلي المرتبطة بالتاريخ والجغرافية المحليين، أما الأمر الثالث فهو دوره المؤثر في الحياة الثقافية.
وقد تأسست تجربته على موهبته التشكيلية وشمولية ثقافته وحواره الإبداعي الدائم مع الفكر الإنساني ونتاجاته الفلسفية والفنية، وماحفظته ذاكرة الطفولة وفي مقدمتها صورة وجه أمه ومشاهد السهول الفسيحة وبيئته المحلية التي كانت تظهر في لوحاته أغلبها، وقد كان مرسمه مركزاً هاماً لاستقطاب المفكرين والمثقفين والمبدعين، وساعده في ذلك معرفته بالثقافة العالمية وانفتاحه عليها وما اكتسبه أثناء دراسته في أوروبا، ولم يكتف بذلك بل كان كثير الإهداء من لوحاته يقدمها لأصدقائه.
لقد كان فاتح المدرس مشروعاً ثقافياً متعدد الأوجه في كيان إنسان واحد وعلماً من أعلام الثقافة على امتداد نصف قرن، وقامة إبداعية ما زلنا نقتفي أثرها ونبحر معها في عالم اللون والأدب.
د. اسماعيل مروة: عالم من الإبداع المرهق والمتألق
وعن حياته الأدبية استفاض د. مروة بالحديث عن مجموعاته القصصية ونتاجه الأدبي سواء الأعمال المشتركة من مثل” القمر الشرقي على شاطىء الغرب مع صديقه شريف خزندار، وكتاب مشترك مع حسين راجي” وكتابه عود النعنع ويضم مجموعة من القصص تصور الكثير من مشاهداته في الواقع.
واتسمت شخصياته في نصوصه القصصية أنها من الطبقة المسحوقة اجتماعياً، ونهايات قصصه فجائعية مفتوحة على الألم، وهو في ذلك يضع نصب عينه أموراً عديدة أهمها” الإنسان وجدوى الفنون لاعبثيتها، رفض الألم الاجتماعي والأذى، وإبعاد الكوارث اللاأخلاقية عن الحياة، وأخيراً السعي إلى الخير والجمال والديمقراطية، كل ذلك بلغة بسيطة تحاكي شخصياته كل حسب موقعه الاجتماعي وثقافته.
تميزت الندوة بالحضور النوعي والمشاركات الغنية التي شكلت قيمة مضافة وخصوصاً بعد انقطاع عن الندوات والفعاليات الثقافية بسبب الواقع الصحي، ما يؤكد تعطش الناس للثقافة والاقتراب أكثر من مبدعينا التي خلدتهم أعمالهم فكانوا بحق قامات حقيقية استطاعت أن تصنع فرقاً في الحياة الثقافية.