ثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف :
في 13 حزيران الماضي قال الرئيس دونالد ترامب للمتخرجين في ويست بوينت :”نحن ننهي حقبة الحروب التي لا نهاية لها”، هذا كان وعد ترامب للأمريكيين منذ عام 2016، لكنه كان كاذباً فالحروب “اللا متناهية” لم تنته، فقد أسقط ترامب قنابل وصواريخ أكثر مما أسقطه جورج بوش أو باراك أوباما في فترات رئاستيهما، كما أن عدد القواعد والقوات الأمريكية في الخارج لا يزال كما كان عند انتخابه.
يتحدث ترامب بشكل روتيني عن كلا الجانبين في كل قضية، ولا تزال وسائل الإعلام المؤسساتية تحكم عليه أكثر بما يقوله، وخاصة تغريداته على تويتر، أكثر من سياساته الفعلية. لذلك فليس من المستغرب أنه لا يزال يحاول إرباك الشعب الأمريكي بسياسته الحربية العدوانية، لكن ترامب في منصبه منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف، وليس لديه حتى الآن إلا سجل حافل بالحروب والصراعات وهذا أمر لا يمكن التغاضي عنه .
والشيء الذي يبدو واضحاً جداً هو أن ترامب ومنذ توليه الرئاسة بدأ حروبا جديدة مع كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران ولم تكن لديه الرغبة في إنهاء أي من الحروب التي ورثها عن أوباما، والفصل الأول من سجل ترامب لم يظهره إلا كداعية للحروب.
وبإلقاء نظرة على ما ورثه ترامب في السياسة الأمريكية: أولاً في نهاية الحرب الباردة وعد القادة السياسيون الأمريكيون الشعب الأمريكي بتوزيع “عوائد السلام” عليهم، وتبنت لجنة الميزانية بمجلس الشيوخ اقتراحاً بخفض الميزانية العسكرية الأمريكية بنسبة 50 بالمائة على مدى السنوات العشر القادمة، وبعد مرور عشر سنوات تم تحقيق 22 في المائة فقط من المدخرات، واستخدمت إدارة جورج دبليو بوش أحداث 11 أيلول لتبرير الحروب غير القانونية ، وجرائم الحرب الممنهجة، وسباق التسلح غير العادي الذي استأثرت فيه الولايات المتحدة بنسبة 45 في المائة من الإنفاق العسكري العالمي من 2003 إلى2011. وكانت نصف زيادة الإنفاق البالغة 2 تريليون دولار في 2010 فقط مرتبطة بالحروب في العراق وأفغانستان، في حين صرفت القوات البحرية الأمريكية قائمة طلبات بقيمة تريليون دولار من أجل الحصول على ست سفن حربية جديدة وطائرات حربية وأسلحة ذات تقنية عالية.
ثانياً: عندما دخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض تعهد بإعادة القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، وتقليص البصمة العسكرية الأمريكية في العالم، لكن رئاسته كانت انتصاراً للقول على الفعل، وقد فاز بجائزة نوبل للسلام لعام 2009 على أساس بعض الخطب التي ألقاها أمام العالم والتي تحمل الكثير من التمنيات، ووعوده للعالم اليائس بالسلام والتقدم، ولكن عندما اقتربت ولاية أوباما على الانتهاء في عام 2017، كان قد ألقى الكثير من القنابل والصواريخ على الكثير من دول العالم وكانت أكثر بكثير من تلك التي ألقاها بوش، كما أنفق أكثر منه على الأسلحة والحرب.
كان التحول الرئيسي في سياسة الحرب الأمريكية في عهد أوباما هو الحد من خسائر القوات الأمريكية الحساسة سياسياً من خلال الانتقال من الاحتلال العسكري الواسع النطاق إلى القصف الجماعي والحروب السرية والحروب بالوكالة وعندها أطلق الجمهوريون بسخرية على عقيدة أوباما ما يسمّى ب “القيادة من الوراء” .
كان المدافعون عن أوباما، كما أولئك عن ترامب اليوم، مستعدين دائماً لإعفائه من المسؤولية عن جرائم الحرب، حتى عندما قتل الآلاف من المدنيين في غارات جوية في أفغانستان والعراق وسورية وضربات الطائرات بدون طيار في باكستان واليمن والصومال. لقد شن أوباما حرباً جديدة لتدمير ليبيا، وكان الدور السري للولايات المتحدة في الحرب على سورية مشابهاً لدورها في نيكاراغوا في الثمانينيات، والتي على الرغم من طبيعتها السرية، فقد أدانت محكمة العدل الدولية العدوان الأمريكي وأمرت الولايات المتحدة بدفع تعويضات عنها.
لا شك أن العديد من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الأمريكيين يتحمّلون حصة من الذنب بسبب ارتكابهم جرائم العدوان الممنهجة الأمريكية وجرائم الحرب الأخرى منذ عام 2001 على العديد من الدول في العالم. ولكن مبدأ مسؤولية القيادة، حسب مبادئ نورمبرغ، وقانون الولايات المتحدة الموحد للعدالة العسكرية يقضي بأن القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية والذي هو رئيس الولايات المتحدة يتحمل أكبر مسؤولية جنائية عن هذه الجرائم بموجب القانون الأمريكي والدولي.
في كانون الثاني 2017، بينما كان ترامب يستعد لتولي منصبه قامت القوات الأمريكية في العراق بقصف جوي قوي ولمدة شهر هو الأقوى منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. هذه المرة، كان العدو هو ما أُطلق عليه اسم “داعش”، وهو مجموعة إرهابية نتجت عن الغزو الأمريكي للعراق وبدعم سري من أوباما للجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي في سورية، وبعدها وفي 24 كانون الثاني استرجعت القوات العراقية منطقة شرق الموصل من تنظيم داعش.
إن تدمير الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، إضافة إلى تدمير المدن الكبرى الأخرى في العراق وسورية هو أمر لا يمكن تبريره أو القول أنه تم بشكل قانوني وبموجب اتفاقيتي لاهاي وجنيف. فمن الواضح، وحسب التقارير أن القنابل والصواريخ والقذائف الأمريكية قتلت آلاف المدنيين في كل مدينة وبلدة تم الاستيلاء عليها، ويتقاسم أوباما وترامب المسؤولية عن هذه الجرائم الرهيبة، وتصعيد جرائم الحرب الممنهجة التي ارتكبتها الولايات المتحدة منذ عام 2001 في ظل تولي ثلاثة رؤساء متعاقبين بدءاً ببوش الابن وانتهاء بترامب.
في أفغانستان، ومع سيطرة طالبان تدريجياً على المزيد من البلاد، قاوم ترامب إغراء إرسال عشرات الآلاف من القوات الأمريكية، كما فعل سلفه أوباما، فوافق بدلاً من ذلك على تصعيد كبير في القصف الأمريكي الذي جعل عامي 2018 و 2019 من أعنف سنوات القصف الأمريكي في أفغانستان منذ عام 2001.
لقد قدّم ترامب في شهر تشرين الأول من عام 2019عرضاً كبيراً لإعادة تمركز القوات الأمريكية في سورية، تاركًا حلفاء الولايات المتحدة من الميليشيات وحدهم في مواجهة مباشرة مع الغزو التركي. لكن لا يزال هناك ما لا يقل عن 500 جندي أمريكي في سورية، كما قام ترامب بنشر حوالي 14000 جندي أمريكي إضافي في الشرق الأوسط خلال العام 2019 ، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة جديدة في السعودية.
كما اعترض ترامب على كل مشروع قانون أقره الكونغرس لفصل القوات الأمريكية عن الحرب السعودية في اليمن ووقف مبيعات الطائرات والقنابل الأمريكية الصنع التي يستخدمها السعوديون لقتل آلاف المدنيين اليمنيين بشكل ممنهج. كما أنه خلق نزاعاً جديداً مع إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي .
إضافة إلى دعمه انقلاباً في بوليفيا، وقيامه بعدة محاولات فاشلة للانقلاب على الشرعية في فنزويلا، واستهدف حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة بعقوبات لمحاولة منعهم من التجارة مع أعداء الولايات المتحدة حسب ادعائه.
إن العقوبات الوحشية التي فرضها ترامب على فنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وسورية وكوبا ليست بديلاً سلمياً للحرب، ولكنها شكل من أشكال الحرب الاقتصادية القاتلة مثلها مثل القنابل والصواريخ التي يأمر بإطلاقها على الدول، خاصة خلال انتشار وباء كوفيد-19 والانهيار الاقتصادي الناتج عنه.
ويبدو أن ترامب يعاني من نفس المشكلة التي واجهها أوباما وهي محاولة التملص من “الحروب اللانهائية”، وكيفية إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن دون أن يوضح للعالم بأسره أن هذه القوة الإمبراطورية الضعيفة وآلة الحرب الباهظة التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات تهزم في كل مكان.
أما فيما يخص جو بايدن، واستناداً إلى سجله الطويل في مجلس الشيوخ، وأدواره في تفويض الحرب على يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق، وعلاقاته الوثيقة بـ “إسرائيل”، وفشله في كبح جماح الحرب الأمريكية كنائب للرئيس، على الرغم من معارضته الشخصية لتصعيد أوباما في أفغانستان، فهو يحاول أيضاً التفوق على ترامب في معارضته وعدائه للصين، ومن غير شك سيكون بايدن مثل أوباما وترامب، مديراً جديداً وبائعاً رئيسياً لبيع أحدث إستراتيجية للمجمع العسكري الصناعي للحرب والاحتلال العسكري العالمي لوسائل الإعلام العامة والشعب الأمريكي.
إن إعادة انتخاب رئيس تلطخت يداه بالكثير من الدماء مثل ترامب، أو ببساطة نقل قيادة آلة الحرب إلى جو بايدن، لن يؤدي بالتأكيد إلّا إلى المزيد من الحروب والدمار في العالم.
المصدر Global Research