ثورة أون لاين- فاتن عادله:
“قولوا لأولادي إنني أحبهم.. فأنا ميت”، هي الرسالة التي تركها الأميركي الأفريقي الأصل جورج فلويد إلى عائلته قبل مقتله على يد الشرطة الأميركية في جريمة عنصرية فتحت باب الاحتجاجات الأميركية المستمرة ضد هذه العنصرية وفضحت ساسة أميركا وعرّت ازدواجية التعامل حتى مع مواطنيها بين أبيض وملون.
ربما هو الحدس الذاتي الذي دفع فلويد لقول هذه الكلمات قبيل مقتله في مينيابوليس وذلك من سوء المعاملة التي يتعامل بها الأفارقة مقابل نظرائهم الأميركيين البيض، لتدخل قضية مقتله مع هذه التفاصيل الجديدة مرحلة جديدة تكشف عن كيفية قيام الشرطة بجريمتها المفتعلة والتي زاد من مستوى الاحتجاجات ضدها هو عنصرية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووقوفه إلى جانب شرطته ومساندته لأفعالها المشينة.
تسع دقائق كانت كافية ليفارق فلويد الحياة بعدما جثم الشرطي شوفين بركبته على عنقه مانعا عنه التنفس الطبيعي، وفي أحدث تطورات مقتله نشر القضاء الأميركي أمس النص الكامل لما دار في 25 نيسان الماضي بين ضباط من شرطة مدينة مينيابوليس وفلويد الذي قُتل خلال توقيفه، والنص الذي يستند إلى تسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة بقبعتي اثنين من ضباط الشرطة الذين شاركوا بعملية القتل أكد أن فلويد (46 عاماً) أبلغ الضابط، ديريك شوفين، الذي استخدم العنف المفرط بحقه بأنه يختنق.
وبينت الكاميرات أن فلويد قال لشوفين: “أنت تقتلني يا رجل.. معدتي تؤلمني.. ورقبتي تؤلمني وكل شيء يؤلمني.. أحتاج إلى بعض الماء أو شيئا ما.. أرجوك.. أرجوك؟ لا أستطيع التنفس أيها الضابط”، فيما رد شوفين على ذلك بالقول: “إذا توقف عن التحدث، توقف عن الصياح، التحدث يتطلب كمية كبيرة جدا من الأكسجين”.
كما أكد النص أن فلويد أبدى استعداده للتعاون مع الضباط، لكنه أصبح مزعجا عندما حاولوا وضعه في سيارة الشرطة، وكرر مراراً أنه يعاني من مرض رهاب الأماكن المغلقة.
والنص الذي نشر كان بطلب من الضابط توماس لاين، وهو من الضباط الأربعة الذين حضروا موقع الحادث وأقيلوا لاحقا ويواجهون الآن عقوبة سجن تصل إلى 40 عاما، فيما يصر محامي الضابط لاين، إيرل غراي، على أن موكله لا يتحمل المسؤولية عن الحادث، لأنه عول على موقف شوفين، الذي هو ضابط أكبر وأكثر تجربة.
جريمة أخرى لم تبعد زمناً عن مقتل فلويد ليكون ضحيتها أيضاً فتى من أصول إفريقية بما يكشف مدى تفشي التمييز العنصري في المجتمع الأميركي وهو ما ظهر عقب نشر تسجيل فيديو يظهر فيه الفتى وهو يفقد وعيه ويموت اختناقا بأيدي موظفين في مركز إصلاحي ليثير غضبا في الولايات المتحدة، حيث توفي كورنيليوس فريدريكس (16 عاما) في الأول من أيار الماضي، بعد يومين من طرحه على الأرض من جانب عاملين في أكاديمية “لايك سايد” في كالامازو في ولاية ميشيغن لإلقائه شطيرة على شاب آخر في كافتيريا المركز.
هذه المعاملة السيئة البعيدة عن أدنى إنسانية علق عليها جيفري فيغر محامي عائلة الضحية الثلاثاء الماضي بأن “هذا الفيديو الرهيب” يكشف “ثقافة الخوف وإساءة المعاملة” في هذا المركز حيث تمثل الممارسة “العادية” للخنق “شكلاً من أشكال العقاب”، فالشاب “أعدم في 29 نيسان بتهمة إلقاء شطيرة”.. وقد حرمه الموظفون السبعة الذين جمدوه “من الأكسجين وعانى دماغه من ضرر لا يمكن إصلاحه”، ليطلق المحامي ملاحقات ضد أفراد طاقم المركز المعنيين والشركة الخاصة التي تدير المركز بعقد مع ولاية ميشيغن، وقال في الدعوى: “مع أن كورنيليوس فريديريكس صرخ لا أستطيع أن أتنفس.. واصل المتهمون السيطرة عليه بشكل غير مناسب وقتلوه”، لكن الشركة الخاصة التي تدير المركز عرضت تسوية ودية تتلخص بتقديم تعويض تبلغ قيمته أقل من مليون دولار لعائلة الشاب، التي اتهمت اثنين من موظفي التأهيل وممرضة بالقتل غير العمد والاعتداء على قاصر! بما يفضح التماهي مع الجناة ضد الضحية.
هذه الحادثة استدعت حاكمة ميشيغن لإدانة موت الفتى وإنهاء عقود الشركة الخاصة مع ولايتها.
شوارع أميركا المتضامنة مع فلويد التي لم تهدأ احتجاجاتها منذ 25 نيسان الماضي على العنصرية المتصاعدة وارتفاع مستوى الجرائم العنصرية هي على موعد مع حركة احتجاج في 20 الشهر الجاري، يستعد لها عشرات آلاف الأشخاص للمشاركة في إضراب على مستوى البلاد يهدف إلى لفت الانتباه إلى مشاكل العنصرية في البلاد.
وتحت عنوان “إضراب من أجل حياة السود” ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية التي نقلت الخبر اليوم، أنه تم تنظيم هذه الفعالية الاحتجاجية، من قبل ائتلاف من النقابات ومنظمات حقوق الإنسان غير الربحية، حيث من المتوقع أن لا يتوجه عشرات الآلاف من العاملين في مطاعم الوجبات السريعة ودور التمريض والمطارات في 25 مدينة أميركية إلى العمل يوم 20 الجاري، فيما الذين لن يتمكنوا من الإضراب ليوم عمل كامل، سيدعمون الإجراء عن طريق التوقف عن أداء واجباتهم المهنية لمدة 8 دقائق، وهو الوقت الذي استغرق لقتل فلويد أثناء محاولة احتجازه.
مسيرات لإحياء ذكرى ضحايا تعسف الشرطة سينظمها المضربون في عدد من المدن أيضاً، وقال آش لي وودارد هندرسون، أحد منظمي الإضراب: “إن قوة الشركات تشكل تهديدا للعدالة العرقية.. والطريقة الوحيدة لتصحيح هذا الوضع هي محاربة أولئك الذين لا يلتزمون تماما بمكافحة العنصرية”، كما سيطالب المحتجون بتأمين ظروف عمل أفضل للعمال ذوي الأجور المنخفضة، وتوفير التأمين الصحي الميسور التكلفة لهم، وهو ما أوضحته الوكالة.
جاهزة