ثورة أون لاين- رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم :بعد حرب التسريبات التي أفل نجمها.. تأتي حرب التحريفات وسعار الاجتزاء.. حيث هناك تربص لكل كلمة تصدر هنا وهناك، لتبدأ الإضافات أولاً ومن ثم التحريف وصولاً إلى الاجتزاء حين لا تنفع هذه ولا تلك. في الأرضية التي تستند إليها تلك التأويلات، ثمة من احترف العمل منذ بداية الأحداث في سورية على البدء بالقصف التمهيدي قبل أن يبدأ الحدث، ومع دخوله يأخذ حيزاً أوسع، إلى أن يصل في الاستنتاج والتحليل إلى تركيب مواقف لا تلتقي وأحياناً لا تتقاطع مع الحقيقة الصرف في شيء أو تستبعدُ ويتم النأي بها جانباً. جميعنا يتابع كيف يتم التصويب على الموقف الروسي، وكل كلمة تصدر عن المسؤولين الروس.. نجد هناك من يخرجها عن سياقها، لبناء افتراضات سرعان ما تتحول إلى مشهد للتجاذب السياسي، يصل ذروته مع تعدد أشكال الحروب المعلنة ونماذجها التي تشهد كل يوم تفريخات جديدة، تحت مسميات تتعدل وتتبدل تبعاً للظروف والمعطيات.
واليوم، تنال مهمة المبعوث الأممي الخاص كوفي أنان القسط الأوفر من تلك الحروب مجتمعة.. من قصف تمهيدي إلى تعتيم متعمد وإخراجها عن سياق الحسابات السياسية انتقالاً إلى ترويج التسريبات وليس انتهاء بالاجتزاء هنا والتحريف هناك. من الواضح أن المعطيات التي تحكم المهمة الأممية تلك تختلف عن سابقاتها.. وفي المعيار الأساسي أنها تعتمد على خبرة المبعوث الشخصية في القضايا الدولية من جهة، وفي كواليس التوازنات داخل الأمم المتحدة من جهة ثانية.
وبالتأكيد، لا تغيب عن ذهنه ولا عن حساباته دهاليز الضغط والتجيير والابتزاز وربما المساومة التي ينشط حضورها في العادة، وبالقدر ذاته، فإنه قد خبر إلى حد الإتقان لعبة الأدراج التي تنتظر أي مهمة لا تستجيب لالتواءات المعايير الملونة، دون أن يسقط من اعتباراته المتغيرات الجوهرية في بنية النظام العالمي بعد المواقف الروسية والصينية الأخيرة.
الأمر ذاته ينطبق على آليات تعامل تلك الأبواق مع الأحداث في سورية هذه الأيام بعد أن أفرغت ما في جعبتها فلجأت إلى الاجتزاء والتحريف وصولاً إلى الكذب والتزييف مروراً بكم هائل من الفبركة تحت عنوان التوثيق حيناً والتقارير الممجوجة والمكرورة حيناً آخر!!
عند هذه العتبة، قد يكون من المفيد التذكير بجملة من المفاهيم التي تطفو على السطح وفق حسابات استخدامها في هذه المعارك التي يريدون خلالها إشغال العالم بالغبار الذي تثيره أكثر من التدقيق في القواعد والأسس التي تديرها.
ومهمة المبعوث الأممي كما هو الموقف الروسي.. وكما هي الأحداث في سورية.. ثلاثية – رغم الفارق الواضح في المقارنة – يبدو أنها خاضعة لكل هذه الأنواع من الاختبارات، حيث لم تكتفِ مشيخات الخليج وأبواقها الإعلامية بتجريب كل تلك الحروب وإبقائها محاصرة بغبار ما تثيره من افتراضات، بل مارست تجاهها فجورها السياسي والإعلامي إلى حدود الصفاقة!!
على المقلب الآخر، نستطيع أن نقرأ بوضوح ملامح التشظيات الناتجة على أكثر من صعيد، وفي المقدمة تبرز تلك التصريحات التي أقرت بأمراض المعارضة والفيروسات الصادمة التي في داخلها، وبالتوازي معها يكون الحديث عن استبعاد الخيارات العسكرية من طرف، مقابل تقديمها كأولوية لدى طرف آخر.. مع الاتفاق على تبادل في الأدوار.
وحدها مشيخات الخليج التي تخوض أبواقها المعارك نيابة عن الغرب وأميركا، لا تريد ان تستبدل أدوارها.. أو لا تستطيع لأنها حكمت على نفسها منذ البداية، بذلك الحيز الضيق ومن غير المسموح لها الخروج منه، فهي تارة تقصف على مهمة هنا أو دور هناك.. وتارة تستعيض عنه بتركيز مكثف على التسريبات والاجتزاء والتحريف دون طائل.
نعرف جميعاً أن التسخين المكثف والإثارة في معارك تلك الأبواق كانت تستهدف التحضير لجلسة مجلس الأمن التي استمع فيها إلى انطباعات ورؤية المبعوث الأممي، وحاولت أن تجيّر ما خبرته في حروبها ومعاركها الماضية منهجاً للعبور.. لكن ما هو محكوم بالافتراض.. لن يصل إلى وقائع تصلح للاتكاء عليها، سنلحظ حجم الانكماش بعد أن يخرج أنان عن السياق الافتراضي الذي قدمته به تلك الأدوات بانتظار جولة جديدة.. بدأت ملامحها بعد انتهاء الجلسة وربما قبلها مع قصف بدأته رموز ومرتزقة تلك الأبواق.. حين نعت المهمة وحكمت عليها بالفشل ومن خلفها أدوات المشروع الغربي كما هي أطرافه التي حمّلت تصريحاته ومواقفه ما هو غير موجود فيها؟!!
a-k-67@maktoob.com
المصدر: جريدة الثورة