الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
“في العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي “
كتاب قليل المثال، عزيز الموضوع تتبع فيه صاحبه د. ثائر زين الدين وجوه العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي، ورصد تأثير الثاني في الأول، وأنماط التراسل والاسترفاد التي جرت عليها قرائح الشعراء، ضامنة إثراء نصوصهم وتجديدها، باعثة فيها حيوات شتى.
ولاشك أن تواشج الشعر والفن في النص الواحد يمنحه حركة واثبة متصاعدة تكفل له بقاء في الدهر، وأن معالجة العلاقة بين الشعر والفن وإفراغ هذه المعالجة في كتاب مفرد وتلمس هذا التراسل عند شعراء الشرق والغرب قديمهم وجديدهم شيء جديد، لاشك سيسد ثغرة في حقل الدراسات النقدية في المكتبة العربية.
وفي تمهيده للكتاب يقول د. زين الدين: إن هوراس الشاعر والناقد الأدبي اللاتيني شبه في عمله الشهير” فن الشعر” عمل الشاعر بعمل الفنان التشكيلي ورأى أن” الشعر هو الصور”، أما الجاحظ فرأى أن الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير، والتصوير عنده هو قدرة خيال الشاعر على إبداع الصور الخلابة وتوليفها توليفا منسجما ضمن بنية النص.
ويبين في كتابه” ضوء المصباح الوحشي عن الشعر والفن التشكيلي” إن العلاقة بين الشعر خاصة من جهة والفن التشكيلي من جهة ثانية قديمة قدم هذين الوجهين الجميلين من وجوه النشاط البشري، وقد عبر هذان الفنان عبر التاريخ بخطين متوازيين مترادفين، لأنهما منذ ولدا قد عالجا الكائن نفسه” الإنسان”.
وفي كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2020 يورد المؤلف أمثلة لقصائد مستوحاة في موضوعها ومادتها ورؤاها من عمل فني تشكيلي، لتأتي القصيدة معادلا لغويا بيانيا للعمل الفني، ومنها قصيدة للشاعر الألماني فيلهيم فايبلنجر الذي كتب تحت عنوان” فينوس من ميلو” مستوحاة من النصب الرخامي” فينوس ميلو” ويصور أفروديت إلهة الحب والجمال عند اليونان أو نظيرتها عند الرومان، يقول:
البشر يرتفعون إلى السماء
وهنالك في النور الباهر
تتفتح البذرة الأرضية
عن زهرة أولمبية حسناء
ينصهر الروح مع الروح .. وفي حياة أكثر حرية
يتجلى الشكل الفاني أكثر بهاء وقدسية .. هكذا تهدين الحس الارضي إلى الحس السماوي
وتحيلينه بمعجزتك القاهرة إلى صورة كاملة.
والأمثلة في الكتاب كثيرة تؤكد تلازم هذين الفنين، فقد ذكر الكاتب تحت عنوان” الشاعر .. فنانا تشكيليا” أن الشاعر يطمح إلى التعامل مع قصيدته أو مع الورقة البيضاء التي سيكتب عليها، كما يتعامل الفنان التشكيلي مع لوحته . ويسعى الشاعر للتعامل مع القصيدة برؤيا الفنان التشكيلي وبفهمه لكيفية بناء العمل من استخدام للون ومهارة في وضعه على السطح المستوي أمامه، لونا، خاما، أومعالجا أو ممزوجا إلى توزيع الكتل عليه، إلى الخطوط وانسيابها وتهاديها في العمل أو تكسرها ونزقها أو تقطعها أو غيابها ..
وهذا يشكل بحسب الكاتب أعلى مراتب التراسل بين الفن التشكيلي والشعر، أي عندما يتمكن الشعر من استرفاد وتوظيف مايستطيع من تقانات الفن التشكيلي وأساليبه وأدواته، ولنا في قصيدة” أبو تمام” مثالا:
رقت حواشي الدهر فهي مرمر
وغدا الثرى في حليه يتكسر
نزلت مقدمة المصيف حميدة
ويد الشتاء جديدة لا تكفر
لولا الذي غرس الشتاء بكفه
لاقى المصيف هشائما لا تثمر
مطر يذوب الصحو منه وبعده
صحو يكاد من الغضارة يمطر
فالقصيدة لوحة فنية باهرة في وصف الطبيعة وتبدلاتها من فصل إلى فصل، كما لو كانت ريشة فنان واقعي ماهر ولكن بلغة مجازية استعارية خلابة.
ويضم الكتاب ملحقا للأعمال الفنية والحروفيات منها” فينوس ميلو، زوس، نيبتون، باخوس، أبولون، ديونيزياس، الربة عشتار، الموناليزا، قارب الإله رع ، ونماذج من حروفيات أبو للينير.
والكتاب الذي يقع في 416 صفحة غني بالدراسات مايغري الباحثين بولوج هذا المضمار والكشف عن أسرار الجمال المختبئة فيه