الثورة أون لاين- ترجمة ليندا سكوتي:
ما أن وجهت الولايات المتحدة بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستنبولاية تكساس في 21 تموز حتى عمدت الصين إلى القيام بالمثل مطالبةً الولايات المتحدة بإغلاق قنصليتها في شينغدو بمقاطعة سيشوان يوم الجمعة، علما أن إتباع مثل هذا الأسلوب يمثل خلافا دبلوماسيا نادرا ما نشهده في العلاقات الدولية الحديثة.
لم تقدم الإدارة الأميركية دليل إثبات يدعم مزاعمها بسرقة الصين للملكية الفكرية والمعلومات الشخصية الأميركية، التي ادعت أنها كانت السبب الكامن وراء إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن.
سبق هذا الإجراء اتخاذ الولايات المتحدة خطوات عدة دفعت الروابط الثنائية إلى حافة الهاوية، إذ خلص تقرير أعده البيت الأبيض بشأن النهج الاستراتيجي الأميركي المتبع حيال الصين إلى فشل التعاطي مع السياسية الصينية، لذلك عمد ترامب إلى فتح النار على جميع الجهات ضد بكين بما فيها القضايا الإنسانية في منطقة شينغيانغ الويغورية ذاتية الحكم ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، وإذكاء الحرب التجارية والجمركية، والحرب التقنية والمالية مع المؤسسات الصينية، والحرب الإعلامية والحرب على الطلاب بادعاء أنهم “عملاء صينيون” بالإضافة إلى تحدي حقوق السيادة الصينية في بحر الصين الجنوبي، وتصاعد التوترات في مضيق تايوان.
في الآونة الأخيرة، أطلق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خطابا لاذعا واصفا الصين بأنها دولة “غير طبيعية” ومدعيا أن السبب الرئيس يكمن في تسلم الحزب الشيوعي الصيني للحكم، وما يثير الدهشة والاستغراب، أنه يدعو علانية لتغيير في القيادة الصينية.
يبدو أن الولايات المتحدة عقدت العزم على شن “حرب باردة” جديدة في هذا الوقت مع الصين، الأمر الذي يخالف قواعد العلاقات الدولية وبناء الثقة والتعاون لتحقيق التنمية والازدهار المشترك.
الجدير بالذكر، أن المساعي التي تبذلها الولايات المتحدة للعودة إلى الحرب الباردة تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد على المساواة والاحترام المتبادل بين الدول، ولذلك فإن إغلاقها للقنصلية الصينية في هيوستن دون أي داع يعد انتهاكا للبرتوكول الدبلوماسي الذي أقره ميثاق الأمم المتحدة واتفاق فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
على الرغم من رغبة الصين في درء حدوث “حرب باردة” جديدة، إلا أنه ينبغي عليها الاستعداد للرد على أي محاولة أميركية للبدء بتلك الحرب. وقد تتخذ الإدارة الأميركية خطوات أكثر خطورة نظرا لحاجتها السياسية بإلقاء اللوم على الصين بغية تحسين فرص الرئيس في إعادة انتخابه، الأمر الذي يفاقم من تدهور العلاقات الثنائية. وفي الواقع، ربما يوجه البيت الأبيض بإغلاق مراكز البعثات الدبلوماسية الصينية في الولايات المتحدة، ويمنع المواطنين الصينيين من دخول الولايات المتحدة، ويشعل بؤرة التوتر عبر المضائق وبحر الصين الجنوبي.
يرى البعض احتمال حدوث تحسن في العلاقات الصينية-الأميركية عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها في شهر تشرين الثاني. لكن بتقديرنا حتى لو تسلم رئيس ديمقراطي سدة الحكم فقد لا يفضي ذلك إلى تغيير دراماتيكي فيما يتعلق بتدهور العلاقات الصينية-الأميركية نظرا للإجماع بين الحزبين على السياسة المتبعة حيال الصين.
وإزاء ما ذكر آنفا، ينبغي على الصين اتخاذ الاستعدادات لتجميد علاقاتها مع واشنطن ولما قد تواجهه من تحديات دولية عموما. علما أن بكين كانت ملتزمة الهدوء حيال مستقبلها الاقتصادي منذ اليوم الأول الذي فتحت به اقتصادها للعالم الخارجي وتبنت السوق الأميركية إذ انها كانت ترغب بإقامة نمط “التداول الثنائي” للتنمية.
مع ذلك، فالاقتصاد الصيني حاليا أقوى مما كان عليه قبل أربعة عقود، لذلك فالصين على ثقة أن بقية دول العالم لن تغلق أبوابها. وحتى الولايات المتحدة لن تغلق بابها لما تتوقعه من تنفيذ الصين “للمرحلة الأولى” من اتفاقية التجارة الثنائية التي وقعها الطرفان في 15 كانون الثاني. ووفقا لترتيبات الاجتماع نصف السنوي رفيع المستوى، فمن المرجح أن يجتمع رئيس مجلس الدولة الصيني مع كبار المسؤولين الأميركيين قريبا لهذا الغرض.
على الرغم من أنه ليس لدى الصين من خيار سوى الرد على سعي الولايات المتحدة لإثارة “حرب باردة” جديدة، إلا أنه ينبغي على واشنطن وبكين الأخذ بالحسبان المسافة بين الحرب الباردة والحرب الساخنة. علما أنه خلال الحرب الباردة، سعى كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلى تفادي حرب ساخنة مفعمة بالأزمات المتعددة. كما تجنبت واشنطن وموسكو نزاعا أميركيا-سوفييتيا خلال الحرب الكورية عام (1950-53) والحرب الفيتنامية (1955-1975). بالإضافة إلى ذلك، تمكنوا من التعاطي مع أزمة الصواريخ الكوبية المحفوفة بالمخاطر بأسلوب يحفظ ماء الوجه.
إزاء ما تقدم، يجب على الصين والولايات المتحدة إدارة الأزمات القائمة، إذ إن كليهما بحاجة إلى إقامة “سلام بارد” على الأقل. وستكون التقنيات المتقدمة التي يملكها الطرفان، والحفاظ على اجراء الاتصالات المناسبة، وتجنب النزاع العسكري بسبب انعدام الثقة ذات أهمية بالنسبة للسلام المنشود في المستقبل.
China Daily