يأتي العيد كأنه لم يأت..
لا أبواب مفتوحة ولا نفوس مبتهجة..
ولا أقواس مزدانة بالورد والريحان بعودة الحجاج من زيارة البيت الحرام..
ولا لافتات مكتوبة ترحب بزوار النبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا صار العيد في سورية.. أصابتنا لعنة الحرب والحزن والأمراض الفتاكة التي حرمتنا من احتضان أحبتنا.. فصارت الأم غريبة عن ابنها والأخ غريب عن أخيه، والكلام من بعيد والسلام بالومى.. النظرة كسيرة والمسافات كبيرة تكرس الحرقة والجفاء.
أيها العيد أيقظتنا من جديد على مأساتنا التي طالت ولا يدري أحد من السوريين متى تنتهي.
ولعل السيد الرئيس بشار الأسد هو الذي أدرك وحده ماهية الحرب ومأساتها ومخططاتها الجهنمية لذلك قال لنا منذ بداية الأزمة:
على السوريين أن يستعدوا لعدوان طويل، فالمؤامرة كبيرة… في الوقت الذي كان فيه المحللون السياسيون يقولون: (الأزمة انتهت) أو على وشك القضاء على المؤامرة. لكن المؤامرة كانت دولية وعربية ومدفوع لاستمرارها مئات المليارات.
أجل.. مئات المليارات دفعت حتى لا يأتي إلى بيوتنا العيد ونلتقي بالأهل والأحباب ويملأ صدورنا بالرضى والسلام والمحبة والتسامح، فاللقاءات تولد المحبة والرحمة والمشاعر الإنسانية الراقية.
لكن قدرنا كسوريين لم يتوقف عند المؤامرة ولا عند انقلاب الأدوار، وتحول الصديق إلى عدو والسوري الابن إلى قاتل لأمه سورية.. ولكن جاءنا عدو جديد لم يكن بالحسبان.
جاء وباء كورونا بعد تسع سنوات متواصلة من القتل وتخريب البنى التحتية وانتشار الفساد وتجار الحروب والخونة والمحسوبيات والبلطجيات.
هي الكورونا، يد جبارة تساند العدوان على البلد.. لقد جاءت وانتشرت في وقت يسود فيه الفقر والبطالة وانهيار العملة وتقلب الأسعار واتساع المسافة بين الطبقة العليا الغنية والطبقة الدنيا الفقيرة، إذ لم يعد هناك طبقة وسطى في المجتمع السوري وللأسف.. صارت الطبقة العاملة في الدولة هي الطبقة الدنيا التي تجوز عليها زكاة العيد حقاً.. فالراتب لا يكفي فواتير الماء والكهرباء والهاتف والمواصلات.. وهذه صارت أشياء أساسية لا يمكن الاستغناء عنها فكيف بالأغذية والأدوية والألبسة والدراسة التي تدنت وتراجعت إلى مستويات هزيلة بعد أن تعطل كل شيء وتوقفت عجلة التدريس، فصار الأهل مجبرون على استحضار مدرسين خصوصيين لأولادهم مقتطعين أجرة المدرس (الذي تحول هو الآخر إلى تاجر) من ثمن الخبز والسكر.
كثيرون الذين سمعوا بالعيد.. وكثيرون الذين أغلقوا على أنفسهم بحجة الكورونا التي عفتهم من استقبال حتى الأهل لأنه أساساً لا يقدر أن يقوم بواجب الضيافة.. حتى القهوة التي هي ضيافة تقليدية عابرة صارت مكلفة وصار القليلون يتمتعون بالقهوة الصباحية بعد أن صار تناول القهوة من مظاهر الرفاهية حيث كيلو القهوه يعادل نصف الراتب تقريباً.
مع ذلك هناك من صارت لديه ثروات طائلة خلال سنوات قليلة.. ثروات تضاهي أكبر إقطاعيي سورية في الخمسينيات.. وصارت المعامل الخاصة أكثر وأكبر من معامل الدولة. انتشرت السرقة وعم الخوف من خطف الأولاد، وتعاملت جهات معينة مع حماية اللصوص وعلى عينك يا تاجر – يسرقونك ومن ثم يتصدقون عليك لتدعو لهم بطول العمر وطول باع السرقة.
عالم فظيع مملوء بالمتناقضات الخيرة والشريرة.. ويظل السؤال: ( من أين لك هذا ؟ ومتى صار هذا ؟).
وإلى متى يستمر الحال ؟.. كرامة الإنسان في الحضيض لأن الفقر مذلة والحاجة مذلة.
لقد تكاثرت علينا الضباع والذئاب من كل أصقاع الدنيا، وليس أمامنا سوى التنمر والتجبر واختراع الأنصال لمواجهة هذه الذئاب الضارية.
لكن ربما هو العيد الذي مر غريباً ولم نره ولم نعرف ماذا كان يرتدي؟ هل يلبس مثلنا ثياباً قديمة أم اشترى بعض الجديد الذي يليق بعيد جديد؟.
نعم..ه و العيد الذي فتح أوراق الذاكرة وجعل الجرح ينفتح على الأسى القديم والجديد..
مع ذلك كل عام لكم السلام والخير المديد.
أنيسة عبود