الملحق الثقافي:حاتم حميد محسن:
هناك ست فلسفات أخلاقية كبرى يمكن ويجب أن تُستعمل في تحليل أي موقف. هذه النظريات هي: القاعدة الذهبية، الاعتدال أو الوسط، الأخلاق المطلقة، النفعية، مذهب المتعة، وقناع الجهل. هذه النظريات الرئيسية هي التي بقيت طوال 2500 سنة من تاريخ الفلسفة الأخلاقية الغربية. إنها مألوفة لكل من عاش في الولايات المتحدة أو أي من البلدان المتأثرة بالثقافة الأوروبية. مظاهر هذه النظريات تتضح في السياسات العامة والقوانين والأعراف الاجتماعية.
1 – القاعدة الذهبية
أو قاعدة الأخلاق المتبادلة، وهي تعلّم الناس “أن يحبّوا جيرانهم كما يحبوا أنفسهم”. هذه النظرية تعود في جذورها إلى فلاسفة اليونان القدماء مثل بيتاكوس (توفي في 568 قبل الميلاد)، واعتُبر أحد الحكماء السبعة في اليونان، واشتهر بقوله “لا تفعل لجارك ما كنت ستمرض منه”، كذلك طاليس الذي توفي عام 546 ق.م هو حكيم يوناني آخر قال “تجنّب عمل ما ستلوم الآخرين على فعله”، وأيضاً الفيلسوف الرواقي أبيكتاتوس الذي توفي عام 135 ميلادي، والذي كتب “ما تتجنبه لنفسك حاول ألا تفرضه على الآخرين”. في الحقيقة، أن جميع الأديان الكبرى لديها بعض مظاهر القاعدة الذهبية كجزء من تعاليمها وكتبها المقدسة. هذه الفلسفة تؤمن بأن الفرد يجب أن يكون إنساناً قدر الإمكان وألا يؤذي أبداً الآخرين بأفعال تفتقر للشعور.
2- مذهب المتعة Hedonism
وهو مشتق من الكلمة اليونانية المتعة أو pleasure، ويرتبط مذهب المتعة بقوة بفلسفة العدمية والنرجسية. تلميذ سقراط أريستيبوس (مات عام 366ق.م) أسّس هذه الفلسفة الأخلاقية على أساس المتعة. أريستيبوس اعتقد أن الناس يجب “أن يعملوا لتعظيم المتعة الآن وألا يقلقوا على المستقبل”. غير أن أريستيبوس أشار إلى متعة الذهن – متعة التفكير وليس المتعة الحسية. هو اعتقد أن الناس يجب أن يشغلوا وقتهم بالجهود الفكرية واستعمال الحكم الجيد في علاقاتهم الشخصية. عبارته تلخّص فلسفة المتعة: “أنا أمتلك الأشياء، لا الأشياء تمتلكني”. لسوء الحظ نرى أن الاستعمال الحديث للفلسفة يتجاهل نوايا أريستيبوس الأصلية. الكاتب المسرحي والشاعر بن جونسون كتب مرة أحسن تلخيص لفلسفة المتعة، “اشرب اليوم، واترك كل الحزن، أنت ربما لن تستطيع ذلك غداً، عندما تمتلكه، لا تستمع للآخرين، لن يكون هناك شرب بعد الموت”.(1) عبارات مثل “عش ليومك” و”لا تقلق، وكن سعيداً” حالياً تعبّر عن فلسفة المتعة. إذا كانت الفكرة أو الفعل يرتكز كلياً على الحافز الشخصي من نقود، وشهرة، وعلاقات، وما شابه – فإن التفسير الحديث لفلسفة المتعة يكون هو السائد.
3- الاعتدال أو الوسط Golden mean
الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي ولد قرب مدينة سالونيك عام 384 قبل الميلاد كونه من عائلة ثرية، درس في أكاديمية أثينا تحت إشراف الفيلسوف أفلاطون. بعد التعليم والتعلم في الأكاديمية لمدة 20 سنة، سافر أرسطو في أنحاء المنطقة لدراسة البيولوجي والنبات. في النهاية عمل معلماً للإسكندر الأكبر ولاثنين من ملوك اليونان وهم بطليموس وcassander. عندما كان في عمر الخمسين عاد إلى أثينا وبدأ في تأسيس مؤسسته التعليمية Lyceum، حيث كتب عدداً هاماً من الكتب في مختلف المواضيع التي أحدثت نقلة كبيرة في العلوم والاتصالات والسياسة والبلاغة والأخلاق. ورغم أن مبدأ الاعتدال أو الوسط كان في الأصل مفهوماً كونفوشيوسياً جديداً صاغه أول مرة Zisi حفيد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، إلا أن أرسطو فصّله بدقة للقرّاء الغربيين في كتابه (الأخلاق النيقوماخية) الذي أهداه إلى ابنه نيقوماخس. فلسفة الاعتدال تشير إلى إيجاد أرض وسطية أو تسوية بين حدّين من وجهات النظر أو الأفعال. الطريقة الوسطى لا تستلزم متوسط رياضي دقيق وإنما هي فعل يتناسب تقريباً مع ذلك الموقف في المكان والزمان.
عند استعمال الوسط الذهبي، أنت يجب أولاً أن تفكر في اثنين من الأمثلة المتطرفة. بالنسبة إلى عنف معين أو صورة خبرية مثيرة للجدل أو فيديو، هناك خياران متطرفان. الأول هو أن تأخذ ومن ثم تستعمل صورة كبيرة وملونة تضعها في الصفحة الأمامية للصحيفة أو لغلاف المجلة أو في صدارة أخبار الإذاعة. الخيار المتطرف الآخر هو ألا تستعمل الصورة الرمزية أو الإيميج أبداً. تسوية أو طريقة وسط يمكن أن تستخدم صورة صغيرة في أبيض وأسود، صغير، على صفحة داخلية، كفيديو منقح قصير أو ويبسايت حيث يتم تنبيه المستعملين قبل الضغط على الرابط. عموماً، معظم المآزق الأخلاقية تُحل بطريقة الحل الوسط.
4- الأخلاق المطلقة categorical imperative
وُلد عمانوئيل كانط في كونغسبيرغ، عاصمة بروسيا (حالياً كالينينغراد في روسيا) عام 1724. كان الرابع من بين 11 طفلاً، وفي عمر مبكر جسّد موهبة فكرية فذة وهرب من بيت أهله المزدحم ليحضر مدرسة خاصة. في عمر الـ 16 تخرج من جامعة كونغسبيرغ حيث بقي يتعلم ويدرّس حتى وفاته. كانط لم يتزوج ولم يسافر أبداً أبعد من 100 ميل من بيته أثناء حياته. قبل وفاته بـ 13 سنة أي في عام 1804 نشر كتابه (نقد العقل الخالص) والذي اعتُبر من أهم الأعمال الفلسفية في التاريخ. كانط أسّس مبدأ الأخلاق الضرورية أو المطلقة. حيث أن categorical تعني غير مشروط، و imperative تعني أن المفهوم يجب أن يُستخدم بدون أي سؤال أو استثناءات أو ظروف مخففة. الصحيح هو صحيح ويجب أن يتم حتى في أقسى الظروف. الاتساق والاستمرارية هما عامل رئيسي في فلسفة الضرورة الأخلاقية. حالما تتأسس القاعدة لفعل مقترح أو فكرة، فإن السلوك أو الآراء يجب أن يُطبّقا دائماً وباستمرار طبقاً لها. بالنسبة إلى كانط، الفعل الصحيح يجب أن يكون له تأثير إيجابي وألا يسبب الأذى غير المبرر أو الشر. مع ذلك، فإن مبدأ الأخلاق المطلقة هو أمر يصعب العيش معه.
5- النفعية
هذه الفلسفة تضم في العادة عمل المفكرين البريطانيين جيريمي بنثام وجون ستيوارت مل. الباحث والقانوني والفيلسوف جيريمي بنثام طوّر نظريته في المنفعة، أو مبدأ أعظم سعادة مستفيداً من عمل جوزيف بريستلي Joseph Priestley، الذي اعتُبر من أبرز الفلاسفة والعلماء في القرن الثامن عشر. بنثام اعترف ببرايستلي باعتباره مهندس فكرة “أن أعظم سعادة لأعظم عدد من الناس هي أساس الأخلاق والتشريع”. جون ستيوارت مل كان ابن الفيلسوف الاسكتلندي جيمس مل، وكان تعلّم لفترة على يد بنثام. عندما كان في سن الثالثة تعلّم قراءة اليونانية، وعندما كان في عمر العاشرة قرأ أعمال أفلاطون بسهولة. وبمساعدة زوجته هاريت تايلور طوّر فلسفة النفعية التي عبّر عنها في كتابه (حول الحرية) عام 1859، والنفعية (1863). هو شكر تايلور على دورها في إعداد الكتاب لكنه كما جرت العادة آنذاك لم يمنحها حق التأليف المشترك. توسّع مل في فكرة بريستلي وبنثام عن النفعية وذلك عبر تجزئة مختلف أنواع السعادة. بالنسبة إلى مل، فإن السعادة الفكرية هي أكثر أهمية من السعادة الحسية. هو أيضاً اعتقد أن هناك فرقاً بين السعادة والقناعة، التي عبّر عنها بقوله “من الأفضل للإنسان أن يكون غير مقتنع بدلاً من أن يكون خنزيراً مقتنعاً، من الأفضل أن يكون سقراط غير مقتنع بدلاً من أن يكون سخيفاً مقتنعاً”. في كتاب النفعية، جرى تصوّر مختلف النتائج للفعل، وأن المحصلة التي تساعد معظم الناس هي عادة أحسن خيار في ظل الظروف السائدة. غير أن مل شخّص بأن أخلاق كل فرد وحقوقه القانونية يجب أن تُلبّى قبل تطبيق حسابات النفعية. طبقاً لمل، من غير المقبول أن يتسبب أذى كبير لقلة من الأفراد لكي تتحقق منفعة قليلة لعدد من الناس. غير أنه، لو عومل كل شخص بعدالة، عندئذ من المقبول أن تقوم بشيء ما يوفر فائدة كبيرة للجماعة ككل.
المحررون ومديرو الأخبار باستمرار يستخدمون ويسيئون استخدام النفعية لتبرير كتابة مشاهد لأحداث مقلقة في صحفهم ومجلاتهم وفي التلفزيون وعلى المواقع الإلكترونية. رغم أن الصورة الرمزية قد تسيء للبعض بسب محتواها المروع، لكنها ربما تقنع الآخرين ليسوقوا مركباتهم بعناية أكبر. ذلك الفعل هو مقبول في ظل النفعية لأن الناس ليس لهم الحق الأخلاقي بالحماية من الأخبار الحزينة أحياناً. العديد من الناس يرون أن الوظيفة التعليمية لأخبار الميديا إنما يتم التعبير عنها دائماً في الفلسفة النفعية.
6- قناع الجهل
صاغها الفيلسوف الأمريكي جون رولز في كتابه “نظرية العدالة” عام 1971، قناع الجهل يرى كل الناس متساوين كما لو أن كل واحد كان يرتدي قناعاً لكي تصبح صفات مثل العمر أو الجنس أو القومية لا دور لها في القرار. لا طبقة لأي شخص مؤهلة لمزايا على الآخرين. تصوّر لو أن شخصاً ما بدون معرفة في المواقع التي يجلبها الفرد إلى الموقف سيؤدي إلى موقف من الاحترام لكل المشتركين. عبارة (سر ميلاً في حذاء شخص ما” (وتعني يجب أن تفهم المقابل قبل الحكم عليه) هي تكييف مألوف لفلسفة قناع الجهل. إنها اُعتبرت جواباً ضد التحيز والتمييز. رولز درّس في جامعة هارفرد لما يقرب من 40 عاماً. في عام 1999 تسلّم الميدالية الوطنية للإنسانيات من الرئيس كلينتون الذي قال “ساعد جيلاً كاملاً من الأمريكيين المتعلمين لإحياء إيمانهم بالديمقراطية ذاتها”.
…..
الهوامش
(1) كذلك يتجسد مذهب المتعة بجانبه الحسي في الثقافة العربية ولطالما تغنّى به الفلاسفة والشعراء مثل الشاعر الذي يقول:
ألا فاغنم العيش ما دام رغداً
فسوف تُبدّل الفرش لحداً
وتمسي تراباً ببطن التراب
فلا صوت يشجى ولا خمر تندى
التاريخ: الثلاثاء11-8-2020
رقم العدد :1008