الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تشير الوثيقة التي تم تسريبها مؤخراً إلى دخول الصين وإيران في شراكة استراتيجية مدتها 25 عاماً في العديد من المجالات كالتجارة والسياسة والثقافة والأمن.
إنّ التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط ليس جديداً، ومع ذلك فإنّ ما يميّز هذا التطور هو أن لكل من الصين وإيران طموحات عالمية وإقليمية، ولكل منهما علاقات مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة ،بالإضافة إلى وجود مهم للعنصر الأمني ضمن بنود الاتفاقية. يتعلق الجانب العسكري للاتفاقية بالولايات المتحدة، فالتدريبات البحرية المشتركة غير المسبوقة بين إيران والصين وروسيا والتي جرت في العام الماضي في المحيط الهندي وخليج عمان قد أزعجت واشنطن إلى حد كبير.
فقد شكّل النفوذ الصيني المتنامي في شرق آسيا وأفريقيا تحديا واضحاً للمصالح الأمريكية، والشرق الأوسط هو ساحة المعركة التالية التي يمكن أن تتحدى فيها بكين الهيمنة الأمريكية، وهذه المرة سيكون التحدي من خلال إيران، وهذا الأمر مهم بشكل خاص لأنّ الاتفاقية وآثارها تتجاوز المجال الاقتصادي والعلاقات الثنائية، فهي تعمل على المستوى الداخلي والإقليمي والعالمي.
فداخلياً، تمثّل الاتفاقية شريان حياة اقتصادي كبير لإيران، فهي ستعمل على إنقاذ اقتصادها المتضرر من العقوبات الأمريكية المجحفة من خلال ضمان بيع النفط والغاز إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، ستكون إيران قادرة على استخدام علاقاتها الاستراتيجية مع الصين كورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية محتملة مع الغرب من خلال الاستفادة من قدرتها على توسيع دور الصين في منطقة الخليج .
أما فيما يتعلّق بالصين، فيمكن للاتفاقية أن تساعد في ضمان أمن طاقتها. إذ توفّر إيران أكثر من نصف احتياجات الصين من الطاقة. وبالتالي، فإن تأمين حريّة الملاحة عبر الخليج له أهمية كبيرة بالنسبة للصين. فالمعروف أنّ السعودية، الحليف القوي للولايات المتحدة، تعتبر حالياً أكبر مورد للنفط الخام للصين، فقد سجلت الواردات الصينية منها في أيار رقماً قياسياً وصل إلى حدود 2.16 مليون برميل يومياً. ويتعارض هذا الأمر مع السياسة العامة للصين المتمثلة في تنويع مصادر الطاقة وعدم الاعتماد على مورد واحد.
وتخشى الصين أنه ومع اشتداد الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة أن تقوم الأخيرة بالضغط على تلك الدول لمنعها من تزويد بكين بالطاقة التي تحتاجها. ولهذا شكّلت الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران بوليصة تحوّط وتأمين؛ فإيران ستزوّد الصين بمصدر طاقة مضمون وبسعر مخفّض.
كما أنّ العلاقات الصينية الإيرانية ستعيد حتماً تشكيل المشهد السياسي في المنطقة لصالح البلدين، مما يزيد من تقويض النفوذ الأمريكي. وفي الواقع تسمح الاتفاقية للصين بلعب دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط والتي هي واحدة من أهم المناطق في العالم.
وكانت الحكومة الصينية قد أعربت منذ تولّى شي جين بينغ السلطة في عام 2012، عن رغبتها القوية في جعل الصين قوة عالمية ولعب دور أكثر نشاطاً في مناطق أخرى. وتجلّى هذا الطموح في تقديم مبادرة الحزام والطريق (BRI) ، التي سلطّت الضوء على الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط.
وممّا لا شك فيه أنّ الصين تدرك مكانة إيران وأهميتها كقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط .وقد عززت التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة النفوذ الإيراني، وعلى عكس الولايات المتحدة، فقد تبنّت الصين نهجاً غير سياسي موجّه نحو التنمية التجارية والاقتصادية في المنطقة ، فاستفادت من قوة إيران الإقليمية لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة وإرساء الأمن في المنطقة من خلال ما تسميه السلام التنموي – بدلاً من المفهوم الغربي للسلام الديمقراطي.
وكان انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018 وما تلاه من تطبيق لسياسة الضغط بفرض العقوبات القاسية، هو آخر محاولات الإدارة الأمريكية للضغط على إيران.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة أضرّت بالاقتصاد الإيراني، إلا أنها لم تكن قادرة على تغيير السياسات الطموحة للبلاد. ولهذا فقد ساعد التعاون الاستراتيجي الجديد بين الصين وإيران على تقويض النفوذ الأمريكي ومهّد الطريق أمام الصين للعب دور أبرز في الشرق الأوسط.
إنّ الشراكة الاستراتيجية الصينية الإيرانية ستؤثّر أيضاً على المناطق المجاورة، بما في ذلك جنوب آسيا، وبغض النظر عما تعتقد واشنطن، فإن العلاقة الجديدة بين الصين وإيران ستقوّض في النهاية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، في حال انضمت الباكستان إلى الاتفاقية.
فمن المحتمل في حال تنفيذ الاقتراح الإيراني توسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الحالي على طول المحاور الشمالية والغربية والجنوبية وربطه بأوروبا وآسيا الوسطى عبر إيران عن طريق شبكة السكك الحديدية. وستتحول مبادرة الحزام والطريق التي تربط الصين بإيران وما بعدها إلى آسيا الوسطى وبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط عبر العراق و سورية.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أعلن في 16 تموز أنّ ميناء جاسك سيصبح نقطة تحميل النفط الرئيسية في البلاد. من خلال التركيز بشكل أكبر على تطوير مينائي جاسك وتشابهار الاستراتيجيين، وتحاول إيران تحويل تركيزها الجغرافي الاستراتيجي من الخليج العربي إلى خليج عمان. وهذا سيسمح لطهران بتجنب منطقة الخليج العربي المتوترة، ويقلّل من مسافة الرحلات التي تقطعها ناقلات النفط التي تشحن النفط الإيراني، كما سيمكّن طهران من إغلاق مضيق هرمز عند الحاجة.
كما توفر الاتفاقية الثنائية للصين فرصة استثنائية للمشاركة في تطوير هذا الميناء. فالصين ستكون قادرة على إضافة ميناء جاسك إلى شبكتها من المحاور الاستراتيجية الأخرى في المنطقة. ووفقاً لهذه الخطة، سيتم ربط المجمعات الصناعية الإقليمية التي طوّرتها الشركات الصينية في بعض دول الخليج العربي بالموانئ التي تتمتع فيها الصين بحضور قوي وهذا يمكّنها من تحدي هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة المحيطة بمضيق هرمز الحيوي والاستراتيجي.
في نفس الوقت، ستؤثّر الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين أيضاً على التنافس بين القوى العظمى، الولايات المتحدة والصين. فرغم وجود علاقات ثنائية واسعة بين هاتين القوتين العالميتين، إلا أن المنافسة بينهما اشتدت في مختلف المجالات لدرجة أن العديد من المراقبين يجادلون بأن العالم يدخل حرباً باردة جديدة. وبالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للشرق الأوسط، فإن الصفقة مع إيران تمنح الصين مكانة أخرى يمكنها من خلالها تحدي القوة الأمريكية.
وفي النهاية وبينما كانت الولايات المتحدة تستفيد من التنافس والانقسام في منطقة الشرق الأوسط، جاءت الشراكة الصينية الإيرانية لتعيد تشكيل المشهد الأمني في هذه المنطقة وتعزيز الاستقرار من خلال النهج الصيني للسلام التنموي.
المصدر Foreign Policy