الثورة أون لاين – دينا الحمد:
في مثل هذا اليوم الواحد والعشرين من آب من عام 1969 أقدم بعض المتطرفين الصهاينة بتشجيع من سلطات الاحتلال الإسرائيليّة، وتخطيط استخباراتها وحاخاماتها المهووسين بالجريمة، وقتل العرب، وحرق تراثهم، وتاريخهم، وحضارتهم، على إشعال النيران بالمسجد الأقصى، بهدف تدمير المسجد وبناء كنيس يهودي على أنقاضه تحت مزاعم إعادة بناء الهيكل المزعوم.
وشبّ الحريق بالجناح الشرقي للمصلّى الواقع في الجهة الجنوبية للمسجد، والتهم كامل محتويات الجناح، بما في ذلك منبر صلاح الدين الأيوبيّ التاريخيّ، كما هدّد قبة المسجد الأثريّة المصنوعة من الفضّة الخالصة، وتمت تلك الجريمة تحت أنظار ما يسمّى المجتمع الدولي ومنظماته السياسية والقانونية، التي بقيت تتفرّج على حريق الأقصى، وحريق فلسطين المحتلّة من البحر إلى النهر حتى يومنا الحاضر، دون أن تضع حدّاً لأيّ جريمة من جرائم الكيان الإسرائيليّ بحقّ الفلسطينيين.
وبات واضحاً أنّ جرائم الكيان الإسرائيليّ بحقّ الفلسطينيين ودول المنطقة استمرت طوال العقود السبعة السابقة، التي أعقبت نشوء الكيان الغاصب، بسبب الصمت الدولي والتواطؤ والدعم غير المحدود الذي تقدّمه أميركا والغرب للصهاينة، فهو العامل رقم واحد الذي شجّع سلطات الاحتلال الإسرائيليّ الإرهابيّة على زيادة جرائمها واستيطانها واحتلالها للأراضي العربية.
فالصمت الدولي والضعف العربي إزاء ما جرى بحقّ الأقصى وفلسطين برمتها، والدعم الأميركيّ المطلق لكلّ مخططات الاحتلال التهويدية والاستيطانية في الجولان ومدينة القدس والضفة الغربية المحتلة شجّع الكيان الإسرائيليّ ليس بالاستمرار بمحاولة هدم الأقصى واحتلال وضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينيّة والعربيّة للكيان المحتلّ بل العدوان على كلّ دول المنطقة بذرائع واهية وأحياناً حتى بلا ذرائع ولمجرد العدوان فقط.
خمسة عقود على جريمة إحراق الأقصى ومازالت ألسنة اللهب تستعر بكلّ فلسطين بسبب انتهاكات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة، والتي تتصاعد وتيرتها بشكل خطير ومتسارع بشكل يومي دون أيّ تحرّك دولي يلجمها، وآخرها مخطّطات ضمّ أراضٍ من القدس والضفة المحتلين إلى الكيان الغاصب بمباركة إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب العدوانيّة وتشجيعها.
وتسعى قوات الاحتلال الصهيونيّة من وراء إجراءاتها ومخططاتها التهويدية والاستيطانية بحقّ المسجد الأقصى إلى تغيير معالمه العربيّة والإسلاميّة وفرض واقع جديد فيه، وكذلك تنفيذ مخطط تقسيمه زمانياً ومكانياً، وصولاً إلى هدمه لبناء الهيكل المزعوم فوق أنقاضه كما ذكرنا، وأيضاً تستمر سلطات الاحتلال بالحفريات أسفل الأقصى وفي محيطه، حيث وصل اليوم مجموع طولها نحو 3000 متر، تبدأ من أواسط بلدة سلوان جنوباً، وتمرّ أسفل الأقصى وتصل إلى منطقة باب العامود شمالاً، أما العمق فوصل إلى أعماق أساسات المسجد، ما يهدد سلامة أبنيته جميعها.
اليوم ومع كلّ أسف تزداد المخاطر المحدقة بحقّ الأقصى في وقت يلهث فيه المطبعون العرب لفتح حدود بلدانهم أمام الكيان الإسرائيليّ وإقامة العلاقات الدبلوماسيّة معه دون أيّ خجل أو حتى مطالبة لهذا الكيان الغاصب بترك الأقصى لأهله ومطالبته بالانسحاب من القدس المحتلة والأراضي التي احتلها عام 1967.
وأكثر ما يدعو للاستهجان أن تتوالى زيارات الشخصيات الإعلاميّة والسياسيّة والثقافيّة العربيّة للكيان الصهيوني، وتعلن الخطوات التطبيعية الواحدة تلو الأخرى، في ذات اللحظة التي يقتحم فيها المستوطنون باحات الأقصى، ويستهدفون مع جنود الاحتلال المصلين، وبذات اللحظة التي تجري فيها عمليات التهويد والاستيطان والحفريات والأنفاق على قدم وساق، وحتى بشكل متوازٍ مع التصريحات الإسرائيليّة العنصريّة المطالبة بنسف الأقصى، وبذات اللحظة التي تخطو فيها أميركا نحو خطوتها العدوانيّة بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة.
ورغم أنّ حريق الأقصى أثار آنذاك استنكاراً دوليّاً، واجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر قراره رقم 271 لسنة 1969 بأغلبية 11 صوتاً وامتناع أربع دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة الأميركيّة، والذي أدان فيه الكيان الإسرائيليّ ودعاه إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس، إلا أن هذا المجتمع الدولي ومعه مجلس الأمن لم يحرّك ساكناً على أرض الواقع، وبقي الاستنكار ومعه القرارات في أدراج نسيان المنظّمة الدوليّة.