ثورة اون لاين – ناصر منذر:
في مثل هذا اليوم قبل 51 عاما استفاق أهالي القدس المحتلة على واحدة من أبشع الجرائم الصهيونية في التاريخ، حيث قام الإرهابي الصهيوني دنيس مايكل روهان في صبيحة الحادي والعشرين من آب عام 1969 بإشعال النيران في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى، بتنسيق كامل مع سلطات الاحتلال، وشبّ الحريق بالجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية للمسجد، والتهم كامل محتويات الجناح، بما في ذلك منبر صلاح الدين الأيوبي التاريخي، كما هدد قبة المصلى الأثرية، لتبقى نيران تلك الجريمة مشتعلة بساحات المسجد الأقصى ومصلياته وقبابه حتى يومنا هذا، وذلك من خلال الاعتداءات الصهيونية شبه اليومية على حرم المسجد، إضافة إلى أعمال التنقيب وحفر الأنفاق أسفل المسجد وفي محيطه القريب للدفع نحو انهياره، بهدف تدمير واحد من أهم المعالم الدينية والتاريخية التي تمثل أبرز أعظم المشاعر المقدسة لدى جميع المسلمين في العالم.
والجريمة الأكبر التي أعقبت هذا الاعتداء الآثم كانت تبرئة محاكم الكيان الصهيوني ساحة المجرم روهان بحجة أنه “مجنون”!! ثم أطلقت سراحه دون أن ينال أي عقوبة أو حتى إدانة!!.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية وتحطم 48 شباكا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبص والزجاج الملون، كما احترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية، وقدرت مساحة الجزء المحترق بنحو 1500 متر من أصل 4400 متر وهي المساحة الكلية للمسجد المبارك، فيما دمرت عدة معالم تاريخية فيه كمنبر صلاح الدين ومسجد عمر ومحراب زكريا ومقام الأربعين وثلاثة أروقة من الأعمدة ممتدة من الجنوب شمالا داخل المسجد الأقصى، وتحطم مجسم لسورة الإسراء مصنوع من الفسيفساء نتيجة سقوط سقف المسجد وعمودين رئيسيين مع القوس الحامل للقبة على أرض المسجد، كما تعرضت الجدران الجنوبية لأضرار بالغة.
وأثارت ظروف وملابسات الجريمة النكراء.. تلك الكثير من الأسئلة التي تؤكد في النتيجة أن سلطات الاحتلال مسؤولة بشكل مباشر عن جريمة إحراق المسجد، نظرًا للانقطاع المفاجئ في مياه المسجد خلال محاولات إخماد الحريق، إذ أكد عدد كبير من الشهود الذي شاركوا في إطفاء النيران وقتذاك وفق الكثير من المصادر، أنهم وجدوا الماء مقطوعا في كل مرافق المسجد وحتى المناطق المحيطة به ولولا وجود آبار ماء داخل ساحة المسجد ساعدت في الحصول على القليل من المياه بطرق بدائية لما استطاعوا إيقاف تمدد الحريق، إضافة إلى عدم قدوم سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس المحتلة إلا بعد أن تمت السيطرة عليه بالكامل، وبعد وصول سيارات الإطفاء التابعة لبلدية رام الله والخليل التي يستغرق وصولها ساعتين لموقع الحريق، في الوقت الذي كان يمكن لسيارات بلدية القدس الوصول خلال خمس دقائق، ما يعني أن سلطات الاحتلال امتنعت عن إرسال سيارات الإطفاء، وعملت على عرقلة عمليات إطفاء الحريق من قبل المتطوعين في المكان.
وفي الخامس عشر من أيلول عام 1969 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 271 بأغلبية 11 صوتا وامتناع أربع دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة والذي أدان حكومة العدو الصهيوني وحملها مسؤولية الحريق باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال ودعاها إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
وبعد 51 عاما على هذه الجريمة، تمعن سلطات الاحتلال بمحاولات التهويد من خلال إحاطة المسجد الأقصى المبارك بنحو مائة كنيس يهودي، وبأبنية وقباب عالية تهدف الى محاولة حجب رؤية قبة الصخرة باعتبارها أحد المعالم الإسلامية البارزة في القدس.
كما تم إقرار مخطط صهيوني، والشروع بتنفيذه يقضي بإحاطة المسجد الأقصى بسبع حدائق توراتية تحت مسمى حدائق وبساتين ومتنزهات عامة إضافة للشروع بأعمال تهويد لأسوار البلدة القديمة والبوابات.
وتتوالى عمليات الاستيلاء على عشرات العقارات المقدسية في البلدة القديمة بالقدس خاصة تلك القريبة والملاصقة للمسجد الأقصى، وتحويل هذه العقارات الفلسطينية المقدسية الى بؤر استيطانية تشكل خطراً مباشراً عليه بموازاة تصعيد هدم البيوت المقدسية في البلدة القديمة وفي الأحياء الملاصقة والقريبة من المسجد الأقصى، وحملات إخطارات هدم مئات البيوت الفلسطينية، بهدف تطويق المسجد الأقصى بطوق استيطاني، وحدائق فوق الأرض، ترتبط بشبكة أنفاق تمتد في البلدة القديمة بالقدس والى الأحياء المجاورة .إن محاولات الاحتلال الصهيوني في السيطرة على المسجد المبارك وكل ما حوله منذ احتلاله عام 1967 لم تتوقف حتى يومنا هذا، وإن تغيّرت أشكال هذه المحاولات واختلفت، فقد عملوا على تقسيمه وتخريبه وتغيير أسماء أبرز معالمه وأكثرها أهمية، لتستمر هذه المحاولات اليوم في ظل السعي الأمريكي المحموم لتمرير “صفقة القرن” وما يرافقها من عمليات تطبيع مجانية، تهدف لتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
يشار إلى أن المسجد الأقصى المبارك بني في نهاية القرن السابع الميلادي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، واكتمل بناؤه في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، وتعرض عبر التاريخ لمحن كثيرة بعضها طبيعي بفعل الزلازل وبعضها بفعل أطماع الغزاة كما فعل الصليبيون وكما يتعرض له حاليا من قبل الاحتلال الصهيوني.