الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
بعدوانه الغادر والآثم مساء أمس على إحدى نقاط الجيش العربي السوري ــ وهو العدوان الذي تكرر كثيراً خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية ــ يؤكد الكيان الصهيوني الإرهابي المجرم مرة جديدة هويته العدوانية ونزعته الدائمة باتجاه العربدة وافتعال المشكلات واستغلاله الدنيء للظروف الدولية المعقدة، وابتعاده كل البعد عن منطق السلام الذي يتشدق به حكامه في كل مناسبة، وتنكّره لكل شروط التسويات العادلة التي تعيد لسورية ولبنان أرضهما المحتلة وتنصف الشعب الفلسطيني المظلوم، فعلى مدى اثنين وسبعين عاماً من وجوده غير الشرعي في منطقتنا لم يتخلَ هذا الكيان المجرم عن هويته الإرهابية، ولم يغادر طبعه العدواني المتغطرس، مستفيداً من الدعم الأميركي غير المحدود، مؤكداً رغبته المستمرة في إشعال الحرائق والحروب لاعتقاده بأن مثل هذه الحروب ستكرسه كقوة مهيمنة في المنطقة يهابها الجميع، بحيث يتخلون عن المطالبة بأراضيهم وحقوقهم ويفرطون بها بذريعة العجز عن المواجهة والتسليم بالأمر الواقع.
من اللافت للنظر أن عدوان الأمس قد جاء في ذروة تهافت بعض الأنظمة المستعربة على الانزلاق في مهزلة التطبيع المجاني مع الكيان الغاصب وتنازلها عن الحقوق العربية إرضاء للرئيس الأميركي المأزوم دونالد ترامب الذي يستعد لخوض انتخابات رئاسية غير مضمونة النتائج، وكذلك في ذروة الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية على سورية، ومحورها المقاوم، من أجل الموافقة على “صفقة القرن” التي تؤمن للكيان المحتل تحقيق جميع أحلامه وأطماعه في المنطقة دون أن يقدم أي تنازل في مسألة الأراضي العربية التي يحتلها.
لا خلاف بأن العدوان الإسرائيلي المتكرر على سورية يأتي استكمالاً للحرب الإرهابية التي شُنت ضدها، وهي رسائل دعم ومؤازرة لمن تبقى من إرهابيين مأجورين ومرتزقة يخدمون المصالح والأجندات الإسرائيلية في بعض الجغرافيا السورية، بعد أن هُزموا وباتوا ضعيفي التأثير في مجرى الأحداث، وذلك بغية إنعاشهم من جديد واستخدامهم في عملية استنزاف طويلة الأمد ضد سورية، وهو عدوان يؤكد من جديد يأس وإحباط الكيان المعتدي من قدرة الدولة السورية على تجاوز مختلف المطبات والعقبات التي واجهتها ولا تزال تواجهها، فلو كانت صفقات التطبيع المجانية قد أمّنت لهذا الكيان الحد الأدنى من مصالحه وأخرجت رئيس حكومته الإرهابي بنيامين نتنياهو من أزمته، لما استعاد نغمة العدوان مجدداً، وهو يدرك أن اعتداءاته الجبانة لن تغير شيئاً في معادلات المنطقة أو تنال من مواقف سورية الثابتة من الصراع مع الكيان، أو تفت في عضد محورها المقاوم الذي أصبح أكثر قوة وقدرة على التحدي والمواجهة.
رغم كل الهدايا الانتخابية “غير المشروعة” التي قدمها ترامب لنتنياهو وكيانه في سنوات ولايته الأربع.. وفي مقدمتها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للكيان الإسرائيلي في تحدٍّ للشرعية الدولية، ونقل السفارة الأميركية إليها، والاعتراف بما يسمى السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وبذل مساعٍ حثيثة لاستكمال “صفقة القرن”، وجر بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان، والانخراط في عملية الضغط على سورية وعلى محورها المقاوم، لم يستطع هذا الكيان انتزاع أي تنازل من أصحاب الحقوق المشروعة، فلا الفلسطينيون تنازلوا عن حقهم في القدس المحتلة، ولا سورية تخلت عن حقها في استعادة الجولان المحتل، ولا المقاومة الوطنية اللبنانية تخلت عن سلاحها الرادع، ولا إيران أوقفت دعمها لسورية أو للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، بل على العكس ازداد المحور قوة واتساعاً والتحاماً، وهذا يعني أن الكيان الصهيوني يراوح في مكانه ولن تفيده عملية الاستثمار الدنيئة في مهزلة التطبيع، وإذا ما قاده حظه العاثر لخوض حرب جديدة في المنطقة، فلن يحقق فيها سوى الخيبة والخذلان وستكون خسارته مؤلمة هذه المرة، لأن كل ما يعتقد أنه “أنجزه” بدعم من ترامب ومستعربيه، سيتحول إلى وبال فوق رأس “إسرائيل” ومستوطنيها وحكامها، فخسارة الحرب هذه المرة سيكون لها طعم مختلف يتجاوز هزيمة تموز عام 2006 بكثير، بحيث لن يستطيع هذا الكيان تحمل نتائجها، أو الحفاظ على “هدايا” ترامب، أو الاستفادة من رضوخ واستسلام من باعوا قضيتهم وأجّروا أنفسهم وبلدانهم لخدمة أعدائهم.