الثورة أون لاين:
شكلت تجربة الشاعرة هنادة الحصري علامة مهمة في الشعر الأنثوي الرقيق والجميل الذي يشف احيانا إلى حد ان يكون كما الماء ،ويقسو إلى أن يصل درجة حد السيف ، في جعبتها الكثير من المجموعات الشعرية ومئات المقالات الفكرية المهمة ،حول تجربتها الشعرية والثقافيية كانت هذه الوقفة :
1- أنت ابنة دمشق فكيف انعكس ذلك على إبداعك ؟
* أن أكون ابنة دمشق فهذا يعني أن أكون ابنة الحضارة الدمشقية العريقة، دمشق لها فرادة خاصة عبر التاريخ اذ عزفت المجد من أوسع أبوابه ، دمشق هي الرئة الأخرى بصدري و هي قصيدتي المقصبة .
و لعل نظرية البيئة هي خير دليل على منتجي الشعري فهو ابن البيئة الشامية و حامل ملامحها و بصمتها إن على صعيد القصيدة أو على صعيد الصورة أو على صعيد المفردة و القاموس الشعري و فيه من النداوة و الطراوة و اليخضور الباهي ما يذكر بالروض و البستان و غوطتي دمشق اللتين هما من روح و ريحان فمن الموسيقى إلى الظلال إلى أشجار الرؤى و الأخيلة ..
2- في مجموعاتك الشعرية صوت امرأة متمردة كان ذلك من عقدين من الزمن فهل حققت هذا التمرد ؟
*أن أكون شاعرة يعني أن أكون انسانة لها موقف واضح من الوجود ، تدخل في مواجهته مع الواقع ، أصلا ما هي غاية الحياة انها بحث في العالم من أجل أن ندرك مكاننا فيه و بعد ذلك نقوم برسم مكاننا ذاك و امتلاكه و السكن فيه و تأثيثه و اختراع أدواته و دعوة الآخرين إليه . و لأنني عثرت على هذا المكان وسط ضجيج هذا العالم الذي لا يمتلك الا الاستراتيجيات الغلط وهذا دليل أنه مرهق عاطفيا و لكن أرى أن قراراتي صحيحة فأنا خرجت من ساحات العطاء و الشكوى و التذمر و استمرار العكف و تطويب الرجل عدوا أزليا فالمرأة الشرقية تعطي فقط و لا تطالب بشيء و لكني كنت كائن عافية، صنعت أفكاري و فيها احساس بالصلح مع النفس و الدنيا ..
إن قصيدتي هي موقفي من نفسي و من الوجود و مساعدتي لهما انطلاقا من أنني أنثى أصنع الحياة و أمارس فعل الحياة، امتلكت الجرأة لتغيير مكاني و القبض على الحياة من جديد فلم أكن مراقبا سلبيا بل تفاعلت مع الواقع بكل اشكالياته و هذا برأيي تمردا معافى وليس من مبدأ ” خالف تعرف ” .
يقول شيرنغر : ” كل يوم حياة جديدة ، ولهذا لم أركن لدلالات وجودي في مجتمع شرقي لا يرى المرأة إلا الزوجة و أم و تعاني انفصاما بين ما تعلنه وما تضمره أنا شخصية غير صدامية و أتعامل بفن مع الأخر و يمكنني أن أنقل أفكاري و قناعاتي و أحققها دون صدام .
3- يبدو أن الحرب على سورية رسمت مشهدا أخر للإبداع، هل توقف قلمك الشعري ؟
*لا أبدا لم يتوقف و لكني كنت كما يقول فاليري : ” المثقف هو التعيس الذي يمتهن التفكير و لكن لا قدرة له على العمل .. و يؤلمني أن الإنسانية استطاعت أن تحقق العظمة و الجمال و الحقيقة و المعرفة و الفضيلة و الحب الأزلي فقط على الورق و للأسف كانت قصائدي معجونة بالمر و في مقالاتي تعلمت كيف انزف بصوت و أفكر وحيدة و أقرر بصمت و أنتقد بصمت مرتبة بروح العلاقات الإنسانية
أكتب مقالتي و فيها معاناتي عارية بدون أصباغ، فيوميا أنا في طريق الذهاب أنا و هشاشة الأشياء البشعة تمدني بمساحات خضراء فأنا صاحبة موقف ، وهو خير في من أن أكون ذلك الكائن الرجراج .
4- من تتابعين من الجيل الشعري الجديد؟
*أتابع رواد الحداثة الشعرية في الوطن العربي فأنا تأثرت بحركة الحداثة الشعرية و كل ما يقع تحت يدي أقرأه ..
5- بين الصحافة و الأدب يتوزع نشاطك الأدبي فأين تجدين نفسك ؟
*لا نستطيع إلغاء الحدود بين الشعر و النثر ، و لكن الجملة النثرية تتأثر دائما بلغته الشعرية ،و الإحساس الشعري دائما بلغته الشعرية و إحساسه الشعري ، لأن الشعر كما نعلم ينبع من الإحساس و اللاوعي و هذا ينعكس على النثر ليعطيه رونقا جميلا و للعلم فان أعظم الكتاب الذين نالوا جوائز نوبل للرواية هم شعراء . و لكل صيغة تعبيرية لها حصانة وجودها.
ان الواقع الذي نحياه و المعاناة التي نعيشها يجعلني أمسك قلمي و التساؤل لمادية هذا العنف و الضياع و النفاق و تدهور العلاقات الإنسانية و أجد نفسي أتساءل لماذا يرغب الإنسان بالتمثيل على خشبة المسرح بينما لديه كل هذا العالم ليمثل فيه يقول أبو الدرداء : ” ازدد علما تزداد ألما “.
وما يؤلمني أننا اليوم لا نسمع و لا نعي فهناك تحول كيفي في بنية العقل الغربي .
6 – ماذا في جعبتك الإبداعية ؟
*لدي ديوان جديد و لكني لا أشعر بحاجة إلى نشره فأنا مرهقة عاطفيا فوضع سوريا و أزمتها و هذا الفيروس اللعين ترك لدي قليلا من الحزن و لكني أحلم بنهار عادل فالكتابة لدي هي التحرر من حفظ الواقع لإنسان هذا العصر الذي مزقه قلق الوجود و العصاب و السياسة هذا الواقع الذي يعج باشكالياته.
7- كتب شاكر مصطفى مقدم نقدية متميزة لإحدى مجموعاتك هل أنصفك النقد الأدبي ؟ و كيف ترينه ؟
*لا شك بأن النقاد السوريين على درجة مهمة من المستوى و لكننا نفتقر إلى الحراك النقدي و لهذا فإن علاقة المبدعين بالنقاد علاقة سطحية و ليست على ما يرام في أغلب الأحيان .
تقريبا إن النقاد لم يقصروا في نقد تجربتي الشعرية و انا لا ابحث عن مرايا نقدية لأن هدفي من قصيدتي تحقيق القيمة الخلاصية للخيال فالكتابة هي التحرر من ضغط الواقع بعد ان أبرمنا نحن العرب تسوية مع العجز.
8- هل تتابعين ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من خواطر و تهويمات يسمونها شعراً ما رأيك بها ؟
*لا أتابع إلا القليل و لكن يحضرني قول لاروشفوكو
” كل انسان يشكو من ذاكرته و لكن لا احد يشكو من ارائه “
9- هل ترين ان الفضاء الأزرق “الفيسبوك” يكفي ان يحل مكان النشر الورقي ؟
* بالنسبة لي لا أجد متعة إلا في الكتاب الورقي فأنا أشعر أن بيني و بين الورق علاقة حميمة و لا تحققها حالة كبس الأزرار .