المشروع الوطني للترجمة وندوة:” ترجمةُ المصطلح إلى اللغة العربيّة-2020″

الثورة أون لاين- د.ثائر زين الدين: 
هل نضيفُ جديداً لو كررنا عبارة خوسيه ساراماغو؛ صاحبِ رواية ” العمى” الشهيرة، والحائزِ جائزةَ نوبل للآداب: “الأديبُ يكتبُ أدباً محليّاً، أمّا الأدبُ العالمي فيبدعُه المُترجمون”؛ أو لو رددنا عبارة ألكسندر بوشكين:” المترجمونَ هم جيادُ بريدِ التنوير”، ألسنا نقفُ فعلاً على أكتافِ نخبٍ من العمالقةِ المبدعينَ والمفكرينَ والعلماء -وفقَ تعبير جون لوك- بفضلِ المترجمين؛ هؤلاء الذين عرفوا أو أحسّوا بفطرتهم الصافية أنَّ” الثقافةَ الحقيقيَّةَ لا تتطوَّرُ بغيرِ الإطلالِ على الثقافات الأُخرى”.
أليست الترجمةُ –كما عبّر د. جابر عصفور- “وسيلةً حاسمةً في تعميقِ علاقات التواصل مع العالم المتقدّم، وفي توسيع دوائر الحوار التي تؤدي إلى امتلاك مفردات العصر ولغاته، وتجسير الهوة الفاصلة بين المتقدّم والمتخلّف، والسبيل إلى فتح آفاق جديدة من وعود المستقبل الذي لا حدّ لإمكاناته، وعلامة الانتساب إلى الحضارة العالمية في تنوعها الخلّاق؛ لذا أصبحت درجة التقدم تقاس بدرجة ازدهار حركة الترجمة في هذه الأمَّة أو تلك”.


أما أصبحت الترجمةُ في مئةِ السنة الأخيرة حاجةً مُلحَّةً في وجوهِ النشاط البشري كلِّها؛ أكثرَ مما كانت عليه من قبل. وغدا الكتَّابُ يُحلِّقونَ في العالم الأدبي والإبداعي بسرعةٍ ما تخيلناها من قبل ومن بلد إلى آخر، وحدثتِ التبادلات الثقافية والفنية ما بين الأمم بتواتر أكبر مما مضى، ونظرَ الأدباءُ أنفسهم إلى إبداعات الأمم الأخرى بوصفها مصدر خصبٍ وإلهامٍ وتحريضٍ. فمارسَ كثيرٌ منهم فنّ الترجمة وعَدّوها عملاً إبداعياً من شأنه أن يزيد من كفاءتهم ووعيهم بلغتهم الأم نفسها.
أما عدَّ باحثونَ كبارٌ الترجمةَ علماً ضروريّاً يتفرعُ إلى فرعينِ لا يقلُّ أحدهما أهميَّةً عن الآخر:” علم الترجمة النظري” و “علم الترجمة التطبيقي”. الأول يصفُ ظاهرات الترجمة، ويُحدِّدُ المبادئ المفسِّرَة لها، ويُنظِّرُ لممارساتها؛ والثاني يسعى إلى تطبيق مبادئ ونظريات إعدادِ المترجمينَ وتدريبهم، وتنمية أدوات تساعد في الترجمة وفي نقد الترجمات.
وانطلاقاً من مثلِ هذهِ الحقائق، وغيرها مما نعرفه جميعاً ولا نكادُ نختلف فيه، عملت الهيئة العامة السوريّة للكتاب في السنوات الأخيرة على النهوضِ بواجبها في حقلِ الترجمةِ؛ بانيةً بالتأكيد على ما أنجزتهُ وزارةُ الثقافةِ منذُ تأسيسها أواخر الستينيات من القرن الماضي؛ يوم كانت مديريّة التأليف والترجمة حتى عام 2006 تطرحُ أجملَ الكتبِ وأهمَّها بين أيدي القراء العرب والسوريين. لقد استطاعت هيئةُ الكتابِ مطلعَ عام 2017 أن تطلقَ المشروع الوطني للترجمة، وأن تُشركَ فيهِ مؤسساتٍ ودورَ نشرٍ وطنيّةً معنيّةً بهذا الوجه الجميلِ من وجوه النشاط البشري، ومضت تكلِّفُ لجاناً من أهلِ الاختصاصِ والمعرفة وَضْعَ خططٍ سنويّةٍ تنفيذيّةٍ للمشروع؛ رائدها في ذلك جملةُ مبادئَ أساسيّة منها:
-لا ينبغي أن تظلَّ الترجمةُ نشاطاً فرديّاً عشوائيّاً، أو عملاً عفويّاً خاصاً، بل يجبُ أن تصبحَ عملاً يُخططُ لهُ، ويُنجزُ من خلال مؤسّسات ثقافيّةٍ مُتخصصة، فيُلبّي حاجةَ مؤسساتنا العامة التربويّة والعلميّة والاقتصاديّة والإداريّة وغيرها، من جهة، وحاجة القارئ العام والباحث في مختلفِ وجوهِ المعرفةِ والإبداع، من جهة أخرى.
-الترجمةُ عن مختلفِ لغاتِ العالم، وعن اللغةِ الأصليةِ وليس الوسيطة ما أمكن ذلك، وعدم الاكتفاءِ باللغتين (الإنكليزية والفرنسية)، ما يعني الخروجَ من أسْرِ المركزيّة الأوروبيّة الأميركيّة، ودائرة الهيمنة الواحدة، لمركزية ثقافية لا تعترف بحضور غيرها.
الانحياز إلى كل ما يؤسِّس لأفكار التقدمِ والإنسانيّة والاعترافِ بالآخر، ويسهم في إشاعة العقلانية، ويؤسّس لحضور العلم في مختلفِ جوانبِ حياتنا.
-عدم الاكتفاءِ بترجمةِ الأدب والإنسانيات، بل ترجمة مختلف المعارف المهمة والمفيدة بما فيها العلومُ الطبيعية والتطبيقية والصحيّة والاجتماعيّة التي لم تنل النصيب الضروري الذي يجب أن تناله.
-متابعة ترجمة الأصول المعرفية والكتب المؤسِّسة التي بدأتها وزارةُ الثقافةِ السوريّة منذُ تأسيسها والتي لا يمكن تجاهلها في حركة الترجمة.
-رفد النشر الورقي بالنشر الإلكتروني لإيصال المعرفة إلى أوسع قاعدةِ قرّاءٍ بالعربيّة في الوطنِ العربي، والعالم.
-رفع تعرفة الترجمة التي يتقاضاها المترجم، ومساواة تعويض النشر الإلكتروني بالنشر الورقي؛ ذلكَ أنَّ الجهد الذي يبذلهُ المترجم واحدٌ في الحالين.
ولقد كان من ثمراتِ هذا المشروع ترجمةُ كثيرٍ من الكتبِ المهمّة، الورقّيةِ والإلكترونيّةِ والناطقةِ، وبعثُ جائزة “سامي الدروبي للترجمة”، وإطلاقُ مجلة “جسور ثقافيّة” المتخصصةِ بالترجمة، وهي واحدةٌ من بضعِ مجلاتٍ في الوطن العربي كلّه، وإطلاقُ ندوتنا السّنويّة التي تقامُ في اليوم العالمي للترجمة، بإشراكِ الجهاتِ المعنيّةِ بالترجمةِ في القطر.

أما عانى المشروعُ الوطني عثراتٍ ومشكلاتٍ خلال السنوات الأربعِ الماضيةِ من عمره؟ بلى، واجهتنا مشكلاتٌ غير قليلة؛ أسبابها الرئيسةُ البعيدة ما عانته البلادُ وتعانيه من حربٍ وحصارٍ ظالمينِ انعكسا على عملنا باستنزافِ موازنتنا الضئيلةِ أصلاً من جرَّاءِ الغلاء الفاحش في أسعار مواد الطباعةِ، وفي تعقيدِ إجراءاتِ الحصولِ عليها، وفي هجرةِ بعضِ أصحابِ الكفاءات في مجال الترجمة، وفي حصارِ هيئةِ الكتابِ ومنعها من المشاركة في معارضِ الكتابِ العربيّة، وفي تدنّي التعويض المالي الممنوحِ للمترجم، قبل أن تتمكن وزارة الثقافة-الهيئة العامة للكتابِ من رفعهِ ستةَ أضعاف خلال الأعوام المذكورة من عمر المشروع، إلى غير ذلك من الأسبابِ المباشرة وغير المباشرة؛ التي لا أبالغُ ولا أجاملُ لو قلت: إنها ستُذَلَّلُ الآنَ.

 

 

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين