الثورة أون لاين ـ ترجمة حسن حسن:
تحت اسم “أوبتور” أي (المقاومة) ، نظم “سردا بوبوفيتش” وهو أحد رفاق الدراسة ل”سلوبودان دينوفيتش”، الذي أصبح لاحقاً مالكاً لشبكات الاتصال الصربية منذ عام 1998 حركة طلابية معتمداً التقنيات الواردة في كتاب “جين شارب”، وعمل بإصرار وكان عنصراً حاسماً في تحريك المظاهرات الطلابية حتى تم إخراج “سلوبودان ميلوزوفيتش” من السلطة ، وكان آنذاك رئيساً لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية .
هذه الأحداث كانت الخطوات الأولى الناجحة لانتفاضة مستحدثة انطلقت في بدايتها من مظاهرات عفوية ، والتي ستعرف فيما بعد باسم انقلابات “ناعمة” أو” ثورات ملونة ” أو “ربيع”، وعندما ذهبت المحققة إلى مقر “كانفاس” لتسأل بوبوفيتش عن عمل منظمته في بلغراد ، (كانفاس هو اختصار لمركز الأعمال والاستراتيجيات اللاعنفية المطبقة) ، بعد أن أرسلت هذه المنظمة الصغيرة عناصر مدربة لإقامة ورشات عمل في (خمسين بلداً ، جورجيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وألبانيا وروسيا وقيرغيزستان وأوزبكستان ولبنان ومصر) ، أجاب بوبوفيتش : “تدريب وتكوين ناشطين هي مهمتنا الحالية” و”درسنا الأول هو وضع رؤية موحدة لمستقبل فعلي وقادر ، وقد أوضحت لهم كيف نجمع الناس من أطياف فكرية متعددة حول قضية مشتركة للحصول على أكثر من 50 بالمائة من الأصوات”.
في تلك المرحلة ، كانت قائمة الأهداف القادمة للمنظمة تضم بلداناً مثل “فيتنام ، زيمبابوي ، سورية ، الصومال ، غينيا الجديدة ، فنزويلا وايران”، وعما إذا كانت منظمته تتبنى رؤية عالمية ، أعلن أن الأمر ليس له علاقة بـ”منظمة ايديولوجية وإنما تربوية” ، و” لا يهمنا اللون السياسي للناشطين ، جل ما نبتغيه هو ألا يكونوا من المتطرفين لأن الإيديولوجيا المتطرفة عاجزة عن النمو في معركة لا عنف فيها”، وأحد المعاني الضمنية التي أشار إليها بطرف خفي هي “الألوان”، وتعني إسقاط الايديولوجيا ، لأن الهدف هو التظاهر “ضد أمر ما”.
إن القارئ المطلع على الأحداث في بيلاروس حالياً سيجد أنها قائمة على الارتياب بأساس التقنيات اللا عنفية ، أي أنه منذ عام 2002 ، تواصلت المؤسسات التربوية الأوروبية من أصل بولوني مع مركز “كانفاس” “لتدريب الناشطين في حركة “زوبر” وتعني (الثور الأميركي المتوحش) والتي كانت تريد القضاء على حكم الكسندر لوكاشنيكو من البلاد .
أما الناشطون الجورجيون في حركة “كامارا” ، شاركوا في جلسات التدريب التي جرت في صربيا في حزيران من عام 2003 ، ولاحقاً انخرطوا في “الثورة الوردية” وكانوا عاملاً حاسماً في إخراج الرئيس إدوارد شيفرنادزة من الحكم في نفس العام ، وفي خريف 2003 وجزء من 2004 ، نفس التقنية التي جربت في صربيا طبقت وعلى نطاق واسع في أوكرانيا ، ومن ثم بدأ مركز “كانفاس” بتدريب ناشطين من بلدان أخرى مثل : أذربيجان وليتوانيا وروسيا وإيران وغيرها .
عشية ما يسمى “ثورة الأرز” في لبنان عام 2005 ، وخلال الأحداث الجارية ظهر إلى العلن رمز القبضة السوداء على خلفية بيضاء وهو شعار الثورات اللاعنفية الذي جرى التوافق عليه في إحدى مقاهي بلغراد عام 1998.
في عام 2009 ، وصل خمسون ناشطاً مصرياً من حركتي شباب 6 نيسان وكفاية إلى بلغراد لدراسة الاستراتيجيات التي ستساعدهم على قلب نظام حسني مبارك ، وبخصوص الأحداث التي جرت في مصر ، أوضح بوبوفيتش للمحققة “أنها كانت الحالة الوحيدة التي طبقت فيه النموذج بحذافيره” فقد نظموا خمسين ورشة في 15 مدينة مصرية ، من جهته ، قال طارق الخولي العضو السابق في حركة 6 نيسان ، والمسؤول عن تنظيم المظاهرات : ” التدريب الذي تلقيناه عن العصيان المدني ، والصراع اللاعنفي ووسائل زعزعة أركان النظام ، أثر في الطريقة التي اعتمدتها الحركة ” وفي كانون الثاني عام 2011 في ميدان التحرير في القاهرة ، رفعت المجموعات الشبابية في أيديها الرايات حيث ظهرت القبضة المرفوعة وشعار : “القبضة تهز مصر “، وعلى شبكة الأنترنت ظهر منشور يوضح بالتفصيل الأماكن التي علينا أن نسلكها (الراديو والتلفزيون المصري ، مراكز الشرطة ، القصر الجمهوري) ووسائل الالتفاف والتحايل على قوات النظام .
أما فيما يخص قارة أمريكا اللاتينية ، فإن ناشطي “كانفاس” لم ينتشروا كما كان يتوجب عليهم ، فمنذ إعادة انتخاب الرئيس هوغو تشافيز في كانون أول عام 2006 ، وحصوله على 62 بالمائة من الأصوات ، دربت “كانفاس” تدريجياً جيلاً من الشباب الفنزويلي عام 2007 وعملت مع ناشطين فنزويليين ولاسيما في المكسيك وصربيا ، العديد من أعضاء الفريق ومن بينهم غوايدو تلقوا تدريباً في بلغراد عام 2007 ، كذلك جيرالدين الفاريس مديرة اتصالاته ووإليزا توتارو التي قامت بالاتصال بالحركة الطلابية مستوحية الأساليب والهوية البصرية لحركة “أوبتور” أي (المقاومة) ورودريغو ديامنتي الذي اهتم بالمعونة الإنسانية القادمة من أوروبا.
ولابد من الإشارة هنا إلى قضية ركزت عليها المحققة وهي :إذا كانت “كانفاس” حاضرة في بوليفيا خلال الإنقلاب ، فإن هذه الدول المنظمة لم تتحرك في دول حليفة للولايات المتحدة : كالعربية السعودية والإمارات المتحدة وباكستان والعديد من بلدان القارة الأميركية مثل كولومبيا ، حيث لم تظهر شعاراتها في مظاهرات نضال الشعوب ضد قتلة الصحفيين والقادة الاجتماعيين .
تؤكد المحققة أنه “لكي نفهم تأثير فريق “كانفاس” الصغير المؤلف من (5 أشخاص من مقرها ، وعدة ناشطين منتشرين في العالم) لابد من العودة إلى نهاية سنوات التسعينيات من القرن الماضي ، ففي 14 نيسان من عام 1999 وفي تقرير خاص قدم لنا معهد السلام في الولايات المتحدة الدليل : “كان يجب على حكومة الولايات المتحدة زيادة دعمها للديمقراطية في جمهورية يوغسلافيا الاتحادية ، فمنحتها الحالية كانت حوالي 18 مليون دولار لتصل إلى 53 مليون دولار في العام المالي نفسه ، ومن شأن هذه الأموال تغطية نفقات سفر القادة الطلابيين إلى الخارج وتمويل البرامج الدراسية والمالية في أوروبا والولايات المتحدة “.
يقول بوبوفيتش إن” كثيراً من الممثلين الدوليين كانوا يرغبون بإسقاط (سلوبودان ميلوزوفيتش) “وكانوا من الناس الذين يمكن أن تحدثهم بالسياسة وأن تكسب المال ، مثل المؤسسة الوطنية للديمقراطية ، والمعهد الدولي الجمهوري والمعهد الوطني الديمقراطي الذي كان يتعاون مع أحزاب سياسية ، وبيت الحرية “فريدوم هاوس” الذي كان يعمل مع وسائل الإعلام “.
وحسب “بول مكارثي” الذي كان مسؤولاً إقليمياً آنذاك عن المؤسسة الوطنية للديمقراطية ، فإن “أوبتور” حصلت على الحصة الأكبر من قيمة 3 ملايين دولار قدمتها الأمم المتحدة إلى صربيا بدءاً من أيلول عام 1998، تلك الأموال استخدمت في إشعال المظاهرات وصناعة المواد الدعائية كالقمصان والإعلانات والملصقات المرسوم عليها القبضة ، كذلك تدريب وتنظيم الناشطين “لقد طبعنا ملايين النسخ من المناشير وقمنا بتوزيعها في كافة أنحاء صربيا ، ووضعنا لجاناً في 168 موقعاً ، إنها كانت الشبكة الأكبر من الناشطين ، فما من مكان إلا وقمنا بتغطيته في أنحاء صربيا ، وثمة من مول ذلك سواء من المكاتب أو الهواتف النقالة وسواها” .
ورداً على سؤال عن التمويل أجاب بوبوفيتش بأنه” لم يكن هناك مشكلة ، لأن الأمر كان له علاقة بمنظمات تعمل بطريقة شفافة ، وأن تلك الملايين لم تكن تمثل لها شيئاً “جوهرياً”.
قال جورج بوش في خطاب له ” أوقدنا ناراً ، ناراً في ذاكرة رجال أثارهم أولئك الذين يتحسسون سلطتهم ، وأحرقنا أولئك الذين حاولوا كبح تقدمهم وذات يوم ستصل نار الحرية المنفلتة من عقالها إلى الأماكن الأشد حلكة في عالمنا “, لكن لم تكد تمضي سنوات على تلك “الحرية” حتى وصلت قنابله إلى الزوايا المظلمة من العالم بدلاً من الثورات اللاعنفية التي تحدث عنها في خطابه .
وبعد سلسلة “الثورات الناعمة” التي بدأت “مخملية” في صربيا عام 2001 ، و”وردية” في جورجيا عام 2003 ، و”برتقالية” في أوكرانيا عام 2004 ، و”الخزامى” في قرغيزستان عام 2006 ، اجتمع بوتين وبوش في قمة أطلقت عليها وسائل الإعلام قمة “المصالحة” ، وهي اللقاء الأول بين الرجلين منذ أن قادت الثورة البرتقالية أوكرانيا إلى الفلك الأوروبي.
عن”موندياليزاسيون