ثمة جدل دائر ولا ينتهي ومفاده هل الدراسة الأكاديمية بلا موهبة تصنع فناناً، وبالمقابل هل الموهبة بلا دراسة تكفي لخلق فنان متمكن وحقيقي، وقبل الإجابة على هذا السؤال أعود بالذاكرة إلى مرحلة بداياتي، حين كنت أشاهد معارض لأسماء شابة موهوبة، قبل وبعد دراستهم الأكاديمية، حيث كانت الموهبة تظهر بشكل واضح منذ المراحل، ونلاحظ أن صاحب الموهبة غالباً ما كان يحافظ على خطه الأسلوبي، الذي ظهر في بداياته سواء درس الفن أو لم يدرسه، أي أنه كان يمتلك قدرة على المحافظة على نقاط ارتكاز أسلوبية محددة وخاصة به، ومن دخل كلية الفنون عن موهبة خرج منها فناناً، أما من دخلها بدون موهبة ، فلن تكون شهادته الأكاديمية أكثر من بطاقة مرور إلى التدريس أو الوظيفة أو العمل المهني الصرف. وأفضل مثال هنا الراحل الكبير عمر حمدي أستاذ الأساتذة في الخط واللون والضوء، رغم أنه لم يدرس الفن في المحترف الأكاديمي، وهو يتفوق على مجمل الذين درسوا الفن، ما يؤكد أن الدراسة من دون موهبة لا تفيد في شيء، بينما بإمكان الموهبة أن تصنع المعجزات بلا دراسة، وهذا ينطبق على النقد وكل المجالات الإبداعية ، فأبرز نقاد الفن التشكيلي عندنا من أمثال صلاح الدين محمد وطارق الشريف لم يدرسوا الفن ولا النقد ، وحتى الفرنسي أندريه مالرو أحد أشهر نقاد الفن في هذا العصر، كان قد توقف عن الدراسة بعد حيازته على الثانوية. وهذا لا يقلل من أهمية بعض الفنانين والنقاد القادمين من المحترفات الأكاديمية عندنا ، التي تحتوي على كل الاختصاصات باستثاء مادة النقد التشكيلي.
وبعودة تاريخية إلى فنون الكهوف وصولاً لفنون عصر النهضة وما بعده، نجد أن الموهبة كانت تحدد مدى قدرة وتمكن كبار الفنانين، حتى أن الفنان كان يقوم بصناعة ألوانه بنفسه، وتبرز هنا ناحية هامة للغاية ولا أحد يتحدث عنها، وتكمن في أن عيوب الرسم كانت تظهر للجميع، لأنه كان يرتكز على أسس ومعايير وقواعد كلاسيكية ثابتة، ولم يكن يستطيع أن يدخل الفن، إلا من امتلك موهبة وقدرة مطلقة على الإقناع والإدهاش .
رؤية ـ أديب مخزوم