لأسباب تبدو غير واضحة حتى تاريخه، مازالت ثقافة تكريم الخلف للسلف “وزير ـ محافظ ـ مدير عام ـ مدير مركزي أو فرعي ـ رؤساء دوائر وأقسام ..” هي الغائب الأبرز من حياتنا الوظيفية العامة، ومن قاموس تعاملاتنا الإدارية، على الرغم من معرفتهما ويقينهما التامين “الخلف والسلف ومن قبلهم” أن المنصب الجديد ما هو إلا مهمة جديدة تبدأ وتنتهي خلال مدة من الزمن قد تطول وتمتد إلى سنوات أو قد تتوقف بعد أشهر أو أسابيع قليلة.
ما يهمنا هنا ليس المدة الزمنية التي يقضيها المسؤول بمنصبه وعلى كرسيه، وإنما بطريقة تعاطي البعض مع قرارات إنهاء تكليفهم أو إعفائهم من مهامهم ووظائفهم، لاسيما لجهة تفضيلهم الانسحاب الفوري والسريع من مكاتبهم خلال الدقائق ولن نقول الساعات الأولى التي تلي صدور قراراتهم، متوهمين “أضغاث أحلام ـ ظنون ـ تهيئات” أن المسؤول الجديد يفضل ذلك وأكثر من ذلك، معتقدين أن الأخير يبيت لهم أموراً لا أمراً واحداً لإحراجهم وإخراجهم من مكاتبهم بطريقة أو بأخرى.
وعليه، وبناءً على هذا الاعتقاد الذي تحول وللأسف إلى عرف عند السواد الأعظم من المسؤولين، إلا أن هناك البعض منهم “من السابقين والحاليين” يصرون على إقامة حفل تكريم رمزي تحت عنوان “استلام وتسليم” بحضور المسؤولين والمديرين والموظفين المرتبطين بمديرية مكتب المسؤول، وذلك في لمسة وفاء من الخلف للسلف على ما بذله وقدمه الأخير من نجاحات وإنجازات .. لوزارته أو محافظته أو شركته أو مؤسسته أو هيئته، ورد التحية بمثلها وفي كثير من الأحيان بأحسن منها.
لمسة الوفاء هذه كانت ومازالت حاضرة وبقوة عند شريحة الموظفين الذين يقومون ويبادرون جماعياً بإقامة احتفالية صغيرة لكل زميل يحال منهم إلى سن التقاعد، ليس هذا فحسب، بل وأيضاً لكل زميل تمكن من الحصول على شهادة جامعية أو غيرها خلال عمره الوظيفي .. والأمثلة كثيرة، ولكن بيت القصيد هنا ليس التكريم بحد ذاته، وإنما الوفاء، بغض النظرعن قيمته وتكاليفه وشكله .. الوفاء الذي لا يكون إلا بالفعل لا بالقول.
الكنز – عامر ياغي