إلى فابيوس.. شبهة واشتباه

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
لم يكن بمقدور أحد ان يتجاهل الفارق بين ما كانت عليه مواقف الدول الغربية، وعلى وجه التحديد الفرنسية، قبل جلسة مجلس الأمن وما أمست عليه بعد بيانه المقتضب والهادئ المناقض تماما لما كانت عليه الأجواء قبله.

ولا بمقدور أي متابع المرور دون أن يتوقف عند ما ذهب إليه فابيوس من حديث عن استخدام القوة والتلويح بها من خارج مجلس الأمن، إذا ما عجز هذا الأخير على حد تعبيره، وبين الحال الذي اضطره إلى بلع لسانه وسحب الكثير مما تفوه به، وهو الأمر الذي انسحب على حديث المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة، الذي أسند ما يقوله إلى مصادره من الإرهابيين، ولم يسارع إلى تبنيها كما جرت العادة.‏

فقد كان واضحا أن الأمر اشتبه على الوزير الفرنسي، وإن كانت الشبهة هي التي أخذته إلى حيث لا يجوز أن تأخذ دبلوماسياً من الدرجة العاشرة، وألا يقع فيه سياسي من الدرجة ما بعد المئة.‏

لم نعتد أن يكون الحديث مباشرا عن شخصيات أو أشخاص يقدمون مواقف وتصريحات تبدو غريبة الأطوار والقياسات، لكن الدرك الذي وصل إليه الكثير من السياسيين بات يملي ما هو أبعد من النصيحة وأكثر من لفت النظر، حيث يسجل فابيوس وقادته السياسيون سوابق هزلية في تاريخ الدبلوماسية الغربية والفرنسية على وجه التحديد.‏

لم يكتف فابيوس بأخذ الدبلوماسية الفرنسية إلى حضيض لم تصله في ذروة التراجع الدبلوماسي الفرنسي على مسرح الأحداث العالمية، بل ذهب أبعد من ذلك حين قدم نماذج بدائية من الأداء ووقع في أخطاء لا يقع فيها الدبلوماسيون المبتدئون ولا السياسيون الداخلون لتوهم مضمار السياسة.‏

فالتسرع في إطلاق الأحكام سمة لازمت مواقف الخارجية الفرنسية، والاستنتاجات المتسرعة المبنية على افتراضات وهمية وأكاذيب وأوهام، كانت من أكثر المظاهر دلالة على محدودية قدرات رئيس الدبلوماسية الفرنسية، فحمّل السياسة الفرنسية والدولة الفرنسية ما هو خارج قدرتها على القيام به، حين كان يلوح بين الفينة والأخرى أو يصرح بتهديد أو وعيد يدرك سلفا أنه فوق طاقة فرنسا، وكل من معه من اتباع أو حلفاء على حد سواء.‏

المفارقة القائمة في أداء فابيوس أنه كان على الدوام مستعداً للخروج على المبادئ المعمول بها في السياسة الفرنسية، مهما تغيرت طواقمها أو تعدلت اتجاهاتها، بل مارس طقوساً من الصبيانية السياسية الموغلة في فظاظتها والمتخمة بسذاجتها وسطحيتها، فجاءت تعرجاتها فظة وتجاوزت في أحيان كثيرة التعرج الأميركي ذاته.‏

كل هذا قد لا يكون موضع اختلاف ولا هو بيت القصيد الفعلي بعد أن تحولت فرنسا من دولة حاضرة على المسرح الدولي إلى تابع لا يستطيع الخروج على التعليمات القادمة إليه من واشنطن والإيماءات الصادرة من إسرائيل، والتي اضطرت معها السياسة الفرنسية للالتواء يمينا ويساراً، وأحياناً للانكسار والتراجع مع توبيخ تقبله الساسة الفرنسيون أكثر من مرة وبرحابة صدر لافتة.‏

لا نعتقد أنه يخفى على الفرنسيين التخبط الذي ينطوي عليه أداء ساستهم عموماً ومدى التقزم الذي أصابهم في المحافل الدولية، ولم يعد يخفى عليهم عداؤهم الشخصي المباشر حيال الشعب السوري وما تجره لقاءاتهم ونشاطاتهم مع القتلة والإرهابيين واستضافتهم في الأراضي الفرنسية، ونستطيع أن نجزم أن لدى كل فرنسي القدرة على التمييز الواضح بين ما تقتضيه المصالح الفرنسية وما يذهب إليه فابيوس ورئيسه وغيره من صناع القرار الفرنسي في مواقف لا تنم في حدها الأدنى إلا عن حماقة سياسية تحكم الأداء والسلوك كما تهيمن على الممارسة.‏

والسؤال.. هل يدرك فابيوس ما تلفظ به؟ وهل يلم بأبعاد ومخاطر ما يدعو إليه؟ وهل تستطيع فرنسا أن تتحمل تبعات ما يتحدث عنه وما يلمح إليه؟ وهل تلبسته الحال الاستعمارية إلى هذا الحد؟ فركبته الأوهام واستنطقته بمنطق الأطماع البائدة وبلغة الهيمنة المندحرة قسراً؟!‏

لسنا بوارد الإجابة ولا نريد ذلك، لكن من باب التذكير فقط نقول إن زمن المهاترات قد مضى، وعصر التغول الاستعماري وفرائضه وطقوسه قد رحلت إلى غير رجعة، وإن فرنسا المستعظمة في عهد فابيوس وهولاند والمتورمة في ذاتها الاستعمارية القديمة، ليست أكثر من تابع يدور في فلك اميركي يتقلص وتضيق الهوامش من حوله، ولا هي أكثر من كرسي احتياط على المسرح العالمي وقد شغلت مع نظيرتها بريطانيا الزوايا المهملة على مدى عقود انطوت، وأوكلت إليها الأدوار القذرة التي رفضت واشنطن الخوض فيها، وثمة قائمة طويلة يمكن أن نذكّر فيها فابيوس وغيره إذا ما استعصت الذاكرة عليهم.‏

ومن الباب ذاته نستطيع أن نجزم أن المصلحة الفرنسية تقتضي في حدها الأدنى أن يصمت فابيوس وألا يدس أنفه في قضايا، وألا يجر بلاده إلى مكان لا موضع قدم له فيه، وأن ينتظر كالعادة ما يأتيه من أمر عمليات دبلوماسي وسياسي يتضمن حتى المفردات قبل أن ينطق بها، استدراكاً لما يمكن استدراكه، وتجنباً لما هو أخطر، بعد أن أضاعت فرنسا آخر ما لديها من بريق سياسي، وفقدت ما تبقى من سمعتها ومن هيبة الدولة العريقة أو المتشبهة بالدول العريقة، والتي اخذتها الشبهة إلى غير موضعها!!‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
الدكتور الشرع: تفعيل اختصاصات الصحة العامة والنظم الصحية للارتقاء بالقطاع وصول الغاز الطبيعي إلى محطة دير علي.. الوزير شقروق: المبادرة القطرية ستزيد ساعات التغذية الكهربائية مرحلة جديدة تقوم على القانون والمؤسسات.. الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري ويشكل مجلساً للأمن القو... الرئيس الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري تاريخ جديد لسوريا وفاتحة خير للشعب غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا "The Voice Of America": سوريا تتعهد بالتخلص من إرث الأسد في الأسلحة الكيماوية