ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
تكثر التسريبات عن الدور الاردني القادم، وبالتوازي معها تزداد نسب الاعترافات الأردنية العلنية بالتنسيق ومستوياته المرتفعة مع الأميركيين والبريطانيين وضمناً الإسرائيليين، ولم تعد تجد الكثير من الدوائر السياسية والعسكرية الأردنية حرجاً في إعلان ذلك حتى لو تلونت العناوين او الذرائع.
بين التسريبات والاعترافات ثمة خيوط تتشابك ومعطيات تتقاطع وجميعها تصب في خانة الحديث الإعلامي والسياسي الأميركي عن خطوات قادمة تدرسها الإدارة الأميركية، ويتكفل المسؤولون الأميركيون كل من موقعه بمهمة تسويقها على طريقته وبأسلوبه بدءاً من وزير الحرب الأميركي وليس انتهاء بالعديد من أعضاء الكونغرس .
في المبدأ يصعب على أحد أن ينظر إلى اجتماع رؤساء أركان حرب عشر دول في الأردن على أنها جلسة للتعارف، أو هي في الإطار البروتوكولي، وجميعها من الدول المتورطة في العدوان على سورية، وتتلاقى على هدف لم تخفه أي منها، وتتقاطع على ذهنية واحدة لا تبدو الفوارق بينها ذات قيمة حين يقتضي الأمر النفخ في جمر الحروب.
ربما لا يكون الاجتماع هو الأول من نوعه ولا هو سابقة في تاريخ اللقاءات «الحربجية» التي تعقد، لكنه حين يعلن من قبل الأردن في هذا التوقيت وفي ظل مناخ سياسي وإعلامي مشحون بالهواجس والاحتمالات وتتقاذفه خيارات مفتوحة على جبهات متعددة، لا بد أن نقرأ المسألة من هذه الزاوية، وخصوصاً أنه يتزامن مع تسريبات تصب في المنحى ذاته، بدءاً من معسكرات التدريب التي أنجزت العديد من مهماتها الموكلة إليها بتدريب الإرهابيين والمرتزقة، وليس انتهاء بحديث الإعلام الغربي عن تجهيز مجموعات إرهابية وإدخالها إلى الأراضي السورية من الحدود الأردنية، بإشراف وبرفقة المخابرات الأردنية والأميركية والبريطانية والإسرائيلية.
في الجوهر يستطيع قادة الحرب في تلك الدول أن يستعرضوا ما يشاؤون من خيارات، وأن يستوطن في دواخلهم ما يحلو لهم من سيناريوهات على وقع الاحلام الوردية لمشاريعهم وحساباتهم على الورق ووفق الخرائط التي زودتهم بها مراكز الاستخبارات والبحوث، ولاسيما أن الدول الغربية باتت تتحدث عن الحروب بلغة الاستثمار السياسي والإعلامي والاقتصادي، لكن للواقع حسابات أخرى وللمعادلات التي يرسمها إحداثيات مختلفة لا تتطابق بالضرورة مع خططهم الافتراضية التي يفردونها على طاولات اصطفت في كنف العرش الملكي.
وفي كل الأحوال لا تبدو المسألة بهذه البساطة ولا تتوقف عند هذه الجزئية، بقدر ما تحمل في طياتها من أبعاد تحتاج إلى التمعن في الهوامش التي تفتحها في سياق العزف الذي تمارسه على جبهات العمل العسكري، وأكثر من يدرك ذلك هو الأردن الذي سيكون في أفضل الحالات ضحية لفرق الحسابات الناتجة عن خطأ المعايرة بين طرفي المعادلة، والتي لا تنفع معها المراهنات المرحلية على ذاكرة مبتورة وعقيمة.
وإذا كان يراهن على تجارب الماضي، حين كان يغنم وحيداً ويتسلم مكافآت أدواره الوظيفية السرية والعلنية، فإن الظرف اليوم يبدو مختلفاً، والحريق الذي يشترك أو يفكر بالاشتراك في إشعاله، سيطاله قبل غيره، وخصوصاً أن اللعب بالنار يتم في بعض تفاصيله على بساط العرش.
أما إذا كان رهانه – كالعادة – على النفس الطويل الذي تعاطت به سورية على مدى الأشهر الماضية، كما كانت تتعاطى مع كثير من التجاوزات الأردنية في السنوات التي سبقتها، فإنه سيكون ضحية هذا الرهان لسبب بسيط أن النار هذه المرة ليست كسابقاتها، والنفس الطويل حين تشتعل النار لا مكان له، والأمر لا يحتاج لكثير من العناء لمعرفة مساحات الرماد المتطاير والزمن الذي يستغرقه.
وحتى إذا كان الاردن – كغيره – يبني أحلامه وخططه وحساباته على الأوهام التي توزعها مراكز البحوث وتقارير الاستخبارات ومعلومات المرتزقة، فالأمر سيكون أكثر كارثية على الأردن قبل سواه، فالدول التي بنت في الأشهر الماضية معادلات تعاطيها مع ما يجري على تلك الأوهام وجدت نفسها أمام مشاهد لا علاقة لها بحساباتها، وفرضت عليها معادلات مختلفة عن تلك التي كانت تعمل عليها، مع فارق أساسي أن تلك الدول بعيدة في الجغرافيا، ولديها بعض ما يقيها من ارتدادات الحالة، أما الأردن فهو يعرف ماذا يعني جواره للنار، وما هي إمكاناته ومقدراته، وسيدفع ثمناً لا يمكن تعويضه ولا طاقة له بكلفته.
ما نسوقه ليس افتراضياً، ولا هو تهويل في غير موقعه أو موضعه، كما أنه ليس من زاوية التنظير ولا المبالغة ، لكنه موقف وقائي وعلى مبدأ العمل الاستباقي، قبل أن تمتد الأصابع الموغلة في دمويتها باتجاه الزناد الممدود من فوق البساط الأردني ، حيث يصبح جمر رماده كافياً ليشعل النار التي تؤججها الوفادة الملكية .
a.ka667@yahoo.com