الثورة أون لاين – ريم صالح :
بعدما دمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إرث العمل المشترك بين بلاده والاتحاد الأوروبي ، وحول الحلفاء الأوروبيين إلى خصوم، ولم يوفر مناسبة إلا واقتنصها للهجوم عليهم بقصد ابتزازهم ، يبدو أن أوروبا عازمة اليوم على تغيير نمط سياستها تجاه الولايات المتحدة على أمل الخروج من تبعيتها العمياء لأميركا ، والتي لم تجلب لها سوى خسارة دورها المؤثر على الصعيد الدولي ، فغداة إعلان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بأن بلاده ترغب باتفاق شراكة جديد عبر الأطلسي بعد الانتخابات الأميركية ، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنه ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بناء “علاقة جديدة عبر الأطلسي” بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أيا كانت نتيجتها ، وهذا تعبير واضح عن مخاوف الأوروبيين من تبعات استمرار العلاقة الراهنة مع الولايات المتحدة على أساس التبعية المطلقة .
لودريان وفي تصريحات صحفية اليوم الخميس قال : “سيكون علينا إعادة بناء علاقة جديدة عبر الأطلسي ، تشكل شراكة جديدة” ، رافضاً اتخاذ موقف مؤيد للمرشح الديمقراطي جو بايدن أو الرئيس الحالي دونالد ترامب، وأضاف : “لن نعود إلى الوضع الذي كان سائداً ، إلى نوع من الماضي في العلاقة العابرة للأطلسي.. ما تغير هو واقع أن أوروبا أكدت سيادتها منذ أربع سنوات ، على صعيدي الأمن والدفاع ، وعلى صعيد استقلاليتها الاستراتيجية” .
لودريان ، وفي إشارة واضحة للرغبة الأوروبية بانتهاج سياسة مستقلة تابع بالقول : “أنشأت أوروبا صندوقاً أوروبياً للدفاع ، وأقامت علاقة دفاعية أقوى بكثير .. ومنذ أربع سنوات أكدت أوروبا رغبتها في أن يكون لديها على أراضيها أبطال اقتصاديون.. وأظهرت رغبتها بأن يكون لديها نظام رقمي يسمح بأن تكون لديها استقلالية .. ومنذ أربع سنوات خرجت أوروبا من سذاجتها وبدأت تأكيد نفسها على أنها قوة” .
كلام لودريان يعيد إلى الأذهان الدعوة الفرنسية والألمانية لإنشاء جيش أوروبي موحد يكون بمنأى عن حلف شمال الأطلسي “الناتو” ، الذي يشغل كلا البلدين عضويته ، وسبق للرئيس الفرنسي وأن حذر بشأن “الموت الدماغي” لحلف الناتو ، ولطالما دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى إنشاء جيش أوروبي يكون مجابهاً لشعار “أمريكا أولًا” ، الذي يتبناه ترامب ، والذي يثير امتعاض كثير من الزعماء الأوروبيين ، وعلى رأسهم ميركل وماكرون .
لا نعرف إذا كانت هذه الصحوة الأوروبية المتأخرة باتخاذ نهج مغاير للسياسة الأميركية ، وأن تكون العلاقات بين الجانبين مبنية على الندية والاحترام ، ستجد من يترجمها على أرض الواقع أم لا ، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي كمنظمة إقليمية لم يستطع خلال العقود الماضية أن يفرض نفسه أمام الولايات المتحدة ، وهذا ليس بسبب عنجهية ترامب ، وإنما لعدم وجود رغبة قوية لدى القادة الأوربيين بالدفاع عن مصالح اتحادهم ذاك ، الأمر الذي استغله ترامب خير استغلال ، فسعى إلى خلق فتنة داخل هذا الاتحاد ، وحرض على تقويض العلاقات التجارية بين أعضائه ، ودفعه نحو الانهيار والتفكك ، وموقفة الداعم لـ “بريكست” خير دليل ، وكل ذلك بهدف إبقاء دول الاتحاد الأوروبي تحت مظلة القرار الأميركي ، فهل يتحد الأوروبيون للتخلص من إرث تبعيتهم لأميركا ؟