الثورة أون لاين – فاتن حسن عادله:
برحيل نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم فقدت سورية رجلا مناضلا إلى جانب الحق، فعزز بمواقفه الصلبة مكانة سورية في المحافل الدولية.. ومواقفه داخل أروقة الأمم المتحدة النابعة من نظرة موضوعية للأحداث الدولية، سيبقى صداها يتردد إلى أمد طويل، لاسيما وأنه صوب أكثر من مرة تجاه تقصير الأمم المتحدة وفشلها في أعمال أحكام ميثاقها وتطبيق مبادئ القانون الدولي، وعجزها عن معالجة القضايا الدولية الملحة، فكان من المناصرين لمسألة وجوب اتخاذ إجراءات ضرورية لإصلاح هذه المنظمة الدولية لتكون قادرة فعلا على القيام بدورها، وأن تنتصر للقضايا العادلة في وجه شريعة الغاب التي يحاول البعض فرضها.
مواقف المعلم كانت نابعة من مواكبته لما تعانيه شعوب العالم من ظلم تفرضه سياسات الولايات المتحدة والدول الغربية القائمة على الهيمنة والتسلط، لاسيما بأن العالم يعيش كما قال في أحد خطاباته على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ظروفا تزداد صعوبة وخطورة يوما بعد يوم وسط صراع مستمر بين قوى تسعى لفرض سطوتها وهيمنتها على الشعوب ومقدراتها عبر إعادة العالم إلى الوراء ومحاولة تكريس مبدأ القطب الواحد مجددا، وإشعال الفوضى والحروب وانتهاك القوانين الدولية والإنسانية، وقوى مقابلة تعمل جاهدة من أجل قيام عالم أكثر توازنا وأوفر أمنا وعدالة.. عالم يحترم سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها.
المعلم كان قد أشار لهذا الجانب مرات عديدة، فقال إن الأسس التي قامت عليها منظومة العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية تتعرض لخطر غير مسبوق منذ تأسيس هذه المنظمة، حيث تتزايد النزاعات والتهديدات للسلم والأمن الدوليين وفرص الحرب تسبق فرص السلام، وتوازن الاقتصاد العالمي يتجه نحو المجهول.. وأكد أيضا أن انتهاك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بات أمرا شائعاً، واستخدام الوسائل غير المشروعة في القانون الدولي كدعم الإرهاب وفرض الحصار الاقتصادي لم يعد له من وازعٍ أو رادع.. وقال إن كل ذلك يزيد من حالة الفوضى على الساحة الدولية، ويجعل العالم يتجه شيئاً فشيئاً نحو شريعة الغاب بدلاً من حكم القانون، الأمر الذي من شأنه أن يضع مستقبل البلدان في خطرٍ حقيقي ويجعل الشعوب تدفع أثماناً باهظة من أمنها ودماء أبنائها واستقرارها ورفاهها.
الأمان والاستقرار والازدهار الذي تنشده شعوب العالم، لا يمكن تحقيقه طالما بعض الدول تعتقد أنها تستطيع أن تصول وتجول وتثير الفوضى وتخلق المشاكل وتمارس سياسات الهيمنة دون أي رادع، وهذا ما أكد عليه المعلم أكثر من مرة، وشدد في هذا الصدد على أن الإرهاب مازال يمثل أحد أهم التهديدات للسلم والأمن الدوليين، ويشكل خطراً محدقاً يواجه الجميع دون استثناء، وقال في إحدى المناسبات: “إن كل القيم الإنسانية والمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة تتعرض اليوم لمحنة في سورية، ويجب على مجلس الأمن الدولي أن يتخلى عن غموضه المفتعل حيال الإرهابيين وتصنيفه للإرهاب بين حميد وخبيث” ، ودعا القائمين على الأمم المتحدة ومؤسساتها إلى أن يعلوا ميثاق الأمم المتحدة وضرورة الامتناع عن اتخاذ مواقف سياسية منحازة تعتمد المفاهيم المشوهة حيالها.
المعلم يرحل اليوم وهو مطمئن على مستقبل سورية، ولكنه حفر في ذاكرة سورية والعالم تاريخا من العمل السياسي والوطني، فكان جنديا مدافعا عن حقوق السوريين في المحافل الدولية، ومناصرا لقضايا الشعوب المناضلة ضد قوى الهيمنة والاستعمار.