الثورة أون لاين – هناء الدويري:
استعدّت سورية لمثل هذه الأيام العصيبة ، ولم تترك فرصة لصقل موهبة وتعزيز ثقافة الطفل السوري إلا وسعت إليها جاهدة ، قد يتساءل البعض ويقول : كيف ذلك ؟؟
بالعودة إلى مناهجنا التربوية في سنوات السبعينيات و الثمانينيات و التسعينيات تجد فيها كمّا ونوعا لابأس فيه من ألوان وأشكال الآداب وفنونها ، وبقيت الأساس الذي انطلق منه العديد من الشبان والشابات في تخيّر مايستهويهم ليكمل ماقد أهدته المناهج التعليمية مفاتيحه …
فمن أحب القصائد حلّق في فلك الشّعر وخاض غمار فضاءات إبداعه موهبة جديّة وتجربة أنضجتها وأغنتها الثقافة والحياة .
وعن أصول الآداب ورواياتها وأمات الكتب وإبداعات الفلاسفة والكتّاب والأدباء انطلق فريق آخر من المواهب إلى عالم الرواية والقصة والصحافة التي عالجت قضايا الأمة وهمومها وعكست واقع الحياة بعمق وفنيّة .
تطوّر الحياة ومستلزمات العصر الحديث خلقت انفتاحاً آخر ، وانتقل ثلّة من الباحثين إلى خوض غمار الإبداع بتجربة وأداء جديدين فرضتهما الحالة الجديدة وهو إغناء البحث والنقد بكتب وأبحاث شبه موسوعية نقدية وفكرية وفلسفية وأدبية واقتصادية وعلمية تمتاز بأثيرها وآثارها التي أسقطها المبدعون على الحالة الاجتماعية والإنسانية السائدة للبيئة والمجتمع السوري والعربي والشرق أوسطي بشكل عام .
واقع الحال يشهد بطفل سوري لن يوفّر جهداً في مواصلة البحث وسعة الاطلاع على كل مايقع بين يديه.. لكن تطور التكنولوجيا وانتشار الفضائيات كبديل فرضه الواقع عن المناهج والمدارس والمسارح والمراكز الثقافية والأسرة ومثقفو الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل والناشئة ، هذا الضيف الجديد المقيم في بيوتنا وعلى موائدنا وفي جلسات غرفنا فرض لغة ثقافية جديدة ، عناصرها الأساسية الصورة المبهرة لتحييد العقل وترتيب الرؤوس وتوريمها سياسياً وإعلامياً بخطوط فصل وهمية ، إذا ما تهاوت يعلم الشخص المُضيف أنه يمرّ بمعركة افتراضية ، بجرّة قلم يصبح ضمنها وبقرار دولي يدخل رحى دائرتها الحقيقية والفعلية، وبحسب ذاكرته الوطنية إما أن يكون يميناً أو يساراً ، وفي كلتا الحالتين هو الخاسر الأكبر لأنه وببساطة هو أداة ووسيلة منذ البداية لتحقيق المصالح والمطامع الخارجية ، فيعتاد تلقي السهام دون توقف ، وتتالى الطعنات مراراً وتكراراً .
المنطق الغائب في الفخّ الإعلامي والمتاجرة عبر الشابكة العابرة للقارات والحدود يُنبئ أن الذاكرة حاضرة مهما حاولوا تغييبها ، لأن أجيالاً متعاقبة عبر عقود من الزمن جعلت من الفضاء الأزرق مجرّد مساحة للأرق وأحلام اليقظة للعجزة والمفلسين الذين يبثّون سمومهم ، ومساحة للكوابيس التي أدركوا في تجربتهم مع السوريين أنها للمهزومين ، والنتائج على أرض الواقع من دمشق إلى حلب إلى المنطقة الوسطى والساحل وقريباً في أقصى الشمال الشرقي كلها انتصارات تثبت ذلك ، فلولا محاكمة الجيل الجديد الواقعية لم يتحقق النصر ، مايعني أن هذا الجيل بثقافته المبشرة أسقط قناع الكذب والخديعة ، وكشف ماهو مرسوم في الغرف السوداء والزرقاء وعرّى الواقع ليكون كل شيء على حقيقته .
هذا جزء من المعارك والمؤامرة على جيلين من عقدين من الزمن ، فكيف بكلّ الأجزاء وفصولها التي تستمر في انتهاك حرمات الشعوب ومحاولات محو كيانها وثقافتها وإطلاق منصّات للضغينة والحقد والاسترزاق على عذابات وحياة الشعوب عبر كلّ منبر .
المتاجرون بالدم السوري والفلسطيني والعراقي واليمني..الخ والمحترفون للعدوان لن يترددوا في اقترافه كلما سنحت الفرصة ، لكن النتائج الفعلية والحقيقية المستقرة على أرض الواقع لأبناء هذا الجيل بثقافته أنه بالمرصاد ، وترجم ذلك بالوقوف في وجه الإرهاب والفكر الظلامي الوهابي وكل من يدور في فلكهم من المتآمرين .
هذه الوقفة تعني أن الطفل السوري والعربي رغم تحديات الواقع .. آفاقه مفتوحة نحو ثقافة الممانعة والمقاومة صوتاً وصموداً وفعلاً وإرادة صلبة ، ففي اليوم العالمي للطفل .. يبقى طفلنا ساحة مفتوحة لمواجهة أعداء الطفولة والعالم العربي ، وجسراً يصل بين الماضي والحاضر تتحطم على جنباته كل المؤامرات العالمية التي تستبيح الطفولة