الثورة – ميسون حداد:
ينشغل الأهل منذ لحظة قدوم الطفل إلى الحياة بتأمين كل ما يحتاجه من طعام ودواء وملابس وحماية، وغالباً ما يعتقدون أن ذلك وحده كافيا ليكبر صغيرهم بأمان، لكن الحقيقة أبعد من ذلك، فالرعاية ليست سوى نصف المعادلة، أما النصف الآخر، والأكثر عمقاً، فهو التربية التي تشكّل شخصية الطفل وتبني وعيه واستقلاليته.
تلبية احتياجات الطفل
حول مفهوم الرعاية والتربية وتوضيح بعض المفاهيم، يشير الطبيب النفسي والمتخصص بالعلاج السلوكي الدكتور بهجات بلبوص إلى أن الرعاية تعني تلبية احتياجات الطفل الجسدية، كالطعام والشراب والملبس والنظافة. لكنها قد تتحوّل إلى قيد إذا بالغ فيها الأهل يقول د. بلبوص: “الحماية الزائدة تخرج لنا طفلاً ضعيف الشخصية، عاجزاً عن اتخاذ قراراته”، مؤكداً أن التربية المتوازنة هي الطريق لصناعة جيل قادر على مواجهة المستقبل بثقة وكفاءة. التربية ليست وصفة جاهزة، بل مسار طويل يقوم على الاستمرارية والانسجام بين الأبوين، بعيداً عن التناقض الذي يربك الطفل، فالقرار التربوي يجب أن يكون ثابتاً وواضحاً، يتيح للطفل أن يفهم أن الخطأ مرفوض من الطرفين، وأن الصواب يحظى بالتقدير من كليهما.
ويرى د. بلبوص في لقاء لـ”الثورة” أن تحميل الطفل مسؤوليات صغيرة منذ سنواته الأولى، مثل ترتيب ألعابه، يفتح أمامه طريق النضج، ومع تقدّمه بالعمر، يمكن تكليفه بمهام أكبر، والغاية ليست العمل بحد ذاته، بل ترسيخ فكرة أن المسؤولية جزء من حياته اليومية، ما يعزز ثقته بنفسه وقدرته على مواجهة التحديات. ويؤكد في إطار العلاج السلوكي أن العقاب يجب أن يكون بعيداً عن العنف، مثل الحرمان المؤقت من أمر يحبه، لكن المكافأة تبقى الأكثر تأثيراً، سواء بالكلمة الطيبة أو بتقدير الجهد، لأنها تدفع الطفل لتكرار السلوك الإيجابي وتعلّمه أن لكل فعل نتيجة. ويحتاج الطفل إلى من يصغي إليه قبل أن يحاسبه، لذا، يدعو د. بلبوص إلى الاستماع لرأيه بهدوء، وتكرار الشرح حتى يستوعب، بعيداً عن الانتقاد الفوري، مشدداً على أهمية أن يكون الأهل قدوة حقيقية، فتصرفاتهم اليومية أبلغ من أي موعظة، عندما يرى الطفل حباً صادقاً بين والديه، يتعلم الاحترام والعاطفة الصحيّة، أما الكذب أو التناقض، فيغرس فيه سلوكيات سلبية يصعب محوها لاحقاً.
الرعاية تمنح الطفل الأمان الجسدي، لكن التربية تصنع شخصيته. وبينهما يكمن سرّ التوازن الذي يضمن طفولة سعيدة، ومستقبلاً أكثر وعياً ونضجاً.