الثورة- ميساء العجي:
في أروقة المدارس، بين الصفوف الدراسية والمكتبات، يوجد عالم آخر له تأثير كبير على حياة الطلاب، وهي الرياضة المدرسية.
فكثير من الأهالي يظنون أن الرياضة مجرد وقت فراغ، أو نشاط لتفريغ الطاقة، لكن الحقيقة أن ما يحدث في ملاعب المدارس يمكن أن يكون حجر الأساس لتطوير شخصية الطالب، وبناء ثقته بنفسه، وتعزيز قدراته الاجتماعية والنفسية.
في عام 2025، ومع الانفتاح المتزايد على الأنشطة البدنية والوعي بأهمية الصحة النفسية والجسدية، شهدت المدارس السورية تركيزاً متزايداً على الرياضة المدرسية، ليس فقط كدرس إضافي، بل كعنصر أساسي في تطوير الطلاب وتحضيرهم لمواجهة تحديات الحياة.
الرياضة كمعلم للحياة الاختصاصية التربوية
هيا قطفون تؤكد على أن الرياضة تعلم الطلاب الانضباط، والصبر، والعمل الجماعي، ففي كل تمرين، وكل مباراة، يتعلم الطالب مهارات لا يكتسبها في الصف الدراسي وحده، فعندما يشارك الطالب في مباراة كرة قدم أو سباق تتابع، لا يتعلم فقط المهارات البدنية، بل يتعلم كيفية إدارة الانتصار والخسارة، احترام المنافس، واتخاذ القرارات السريعة تحت ضغط الوقت.
هذه التجارب المبكرة تصقل شخصية الطالب وتعده لمواجهة تحديات الحياة اليومية، سواء كانت أكاديمية أو اجتماعية.

الفوائد النفسية والاجتماعية
تقول قطفون: إن المشاركة في الرياضة المدرسية تمنح الطلاب سلاماً داخلياً وثقة بالنفس، فالطالب الذي يحقق هدفاً أو يتقن مهارة معينة يشعر بالنجاح، وهذا الشعور ينعكس مباشرة على تحصيله الدراسي وعلاقاته مع زملائه.
مبينة، أن الرياضة تمنح الأطفال القدرة على التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، وتساعد على تفريغ التوتر والغضب، بدلاً من الاحتفاظ بالمشاعر السلبية، فيجد الطالب متنفساً يعزز نموه النفسي والاجتماعي، ويقلل من احتمال الانخراط في سلوكيات ضارة أو عدوانية، وتشير قطفون إلى أن الرياضة المدرسية ليست مجرد نشاط فردي، بل تجربة جماعية.
في فرق كرة القدم، كرة الطائرة، أو ألعاب القوى، يتعلم الطلاب التعاون والمشاركة، على سبيل المثال، في فريق كرة اليد، يجب على كل لاعب أن يكون واعياً لدور زملائه، أن يشارك الكرة، وأن يثق بزملائه لتحقيق الهدف المشترك.
هذا التعاون المبكر يعزز شعور الانتماء لدى الطلاب، ويجعلهم أكثر قدرة على العمل ضمن فرق مستقبلية سواء في الدراسة الجامعية أو في حياتهم العملية.
وتضيف قطفون: إن ممارسة الرياضة تمنح الطلاب فرصاً لتطوير المهارات القيادية، عندما يكون الطالب قائد الفريق أو المسؤول عن تنظيم مباراة، فإنه يتعلم اتخاذ القرارات، توزيع المهام، وتحمل المسؤولية.
هذه التجارب المبكرة تمهد الطريق ليصبح الطالب قائداً وفاعلًا في مجتمعه مستقبلاً.
الرياضة وصحة الجسد
الفوائد الجسدية للرياضة واضحة، فهي تعزز اللياقة البدنية، قوة العضلات، مرونة الجسم، وصحة القلب.
هذه العادات المبكرة في المدرسة تساعد على تكوين أسلوب حياة صحي يمتد إلى مرحلة البلوغ، كما أن أختصاصيي العظام يشددون على أهمية النشاط البدني المنتظم منذ الصغر، فالطلاب الذين يمارسون الرياضة بانتظام يقل لديهم خطر الإصابة بالسمنة ومشاكل العظام، وآلام الظهر، ويكونون أكثر نشاطاً وتركيزاً خلال اليوم الدراسي، وينجزون واجباتهم المدرسية بذهن منفتح أكثر.
وحول دمج الرياضة في المناهج الدراسية تبين قطفون، أن العديد من المدارس بدأت تضع الحصص الرياضة كجزء أساسي من المناهج، إذ لا تكون مجرد ساعة اختيارية بعد الصفوف الدراسية، بل درس حقيقي يقيس قدرات الطلاب ويشجعهم على التقدم.
كما يتم تنظيم مهرجانات رياضية شهرية تشمل جميع الطلاب، ما يعزز روح المنافسة الصحية، ويشجع الطلاب على تحسين مهاراتهم، بعيداً عن الضغوط الدراسية الصرفة.
قصص نجاح ملهمة
وفي هذا الجانب تشير قطفون إلى أنه وبدون ذكر أسماء محددة، هناك عشرات القصص الملهمة من الواقع في المدارس والحياة فالطالب الخجول الذي أصبح قائد فريق كرة القدم بعد سنة من التدريب المستمر، أو الطالبة التي كانت تخشى المشاركة في النشاطات الجماعية، وأصبحت اليوم تتحدث أمام الجمهور بفضل الثقة المكتسبة من الرياضة المدرسية.
هذه القصص تظهر كيف أن الرياضة لا تبني الجسد فقط، بل تبني الشخصية بأكملها.
مواجهة التحديات
رغم كل الفوائد التي تنتج من الرياضة تقول قطفون: إن تطبيق الرياضة المدرسية يواجه عدة تحديات، من أهمها قلة الموارد ونقص المعدات، وقلة المساحات المخصصة للرياضة في بعض المدارس، كما أن بعض أولياء الأمور لا يعطون الرياضة الاهتمام الكافي، معتبرين الدراسة الأكاديمية فقط هي المعيار لنجاح أبنائهم.
رغم أن الاختصاصيين يؤكدون أن التوازن بين الدراسة والنشاط البدني هو مفتاح النجاح، وأن دمج الرياضة في الحياة اليومية للطالب يجعل التعلم أكثر متعة وفعالية.
ولتعظيم فوائد الرياضة المدرسية لا بد من توفير ملاعب وأدوات رياضية آمنة وحديثة.
وتنظيم برامج تدريبية للمعلمين حول كيفية دمج النشاط البدني مع المناهج الدراسية.