“مهارات الحياة”.. بوابة الشباب نحو الوعي والمواطنة الفاعلة

الثورة – مها دياب:

في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والنفسية، يجب ألا يقتصر التعليم على الكتب والمناهج، بل يجب أن يشمل بناء الإنسان من الداخل فلم يعد يكفي أن نعلم أبناءنا كيف يقرؤون ويكتبون، بل كيف يفهمون أنفسهم، ويتعاملون مع مشاعرهم، ويبنون علاقاتهم، ويواجهون تحديات الحياة بثقة ووعي.

إن الفئة العمرية بين الثانية عشرة والثامنة عشرة ليست مجرد مرحلة عمرية، بل هي مفترق طرق حاسم، تتشكل فيه الشخصية، وتُبنى فيه القيم، وتُرسم فيه ملامح المستقبل.
من هنا، جاء برنامج نادي “مهارات الحياة” الذي أطلقته مؤسسة “يراع وإبداع” في ريف دمشق، برعاية مؤسسة نور للإغاثة والتنمية، كاستجابة واقعية لاحتياجات الشباب، وكمنصة تعليمية تفاعلية تدمج بين المعرفة النظرية والتجربة الحياتية.

البرنامج لم يكن مجرد سلسلة من الجلسات، بل كان مساحة آمنة للحوار، والتأمل، والتعلم، بإشراف الدكتور مهند ميا، الذي صاغ المحتوى بأسلوب يلامس الواقع، ويحفز التفكير، ويشجع على التغيير.

اكتشاف الذات

أوضح الدكتور ميا أن الوعي الذاتي هو نقطة الانطلاق لأي تغيير حقيقي، وفي أولى الجلسات تعرف المشاركون على أنفسهم قبل، وتعلموا كيف ينظرون إلى دواخلهم بصدق، كيف يكتشفون نقاط قوتهم وضعفهم، وكيف يضعون أهدافاً شخصية واقعية. وأكد أن الهدف لم يكن أن يصبحوا مثاليين، بل أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، وأن يدركوا أن التغيير يبدأ من الداخل، فهذه المرحلة من التدريب كانت بمثابة مرآة تعكس الذات، وتدفع الشباب إلى إعادة النظر في اختياراتهم، وتحديد مساراتهم المستقبلية بوعي.

وشدد ميا على أن التوتر يسرق منا الفرص، فيما التواصل يعيدها إلينا وفي جلسة مفعمة بالحيوية، ناقشنا الشباب كيف يمكن للتوتر أن يضيع فرصاً ثمينة، وكيف يمكن لحل النزاعات أن يعيد بناء العلاقات من خلال تمثيل مواقف واقعية، تعلّموا الفرق بين الجدل والاختلاف، وكيفية الوصول إلى حلول وسط، أو طلب المساعدة، أو عقد اتفاقات تضمن الاحترام المتبادل. وقد أظهرت الأنشطة التمثيلية قدرة الشباب على التعبير، والتفاعل، وتقديم حلول مبتكرة لمواقف حياتية معقدة.

إدارة الوقت

وأكد في حديثه للمتدربين أن من يدير وقته بذكاء، يدير حياته بنجاح، خاصة أننا نعيش في عالم مليء بالمشتتات، وهنا يصبح تنظيم الوقت مهارة حاسمة.

ولفت إلى أنه تعلم المشاركون كيف يضعون جداول مرنة، وكيف يحددون أولوياتهم، وكيف يوازنون بين الدراسة، والراحة، والعلاقات الاجتماعية، هذه المهارة لا تمنحهم فقط إنتاجية أعلى، بل تمنحهم شعوراً بالسيطرة على حياتهم، وهو ما يفتقده كثير من الشباب في هذه المرحلة، وقد عبر العديد منهم عن شعورهم بالتحسن في إدارة يومهم، وتخفيف الضغط الناتج عن المهام المتراكمة.

وعبر ميا عن أهمية الذكاء العاطفي في حياة الشباب، قائلاً: إن الذكاء العاطفي هو ما يجعلنا نتصرف بوعي، لا بردود فعل، وفي جلسة عميقة، جلس الشباب مع مشاعرهم، وتعلموا كيف يفهمونها ويديرونها ويتعاملون معها من دون إنكار أو انفجار، وقد رأيت كيف أن الثقة بالنفس بدأت تنمو في أعينهم، شيئاً فشيئاً.

 

المواطنة الفاعلة

وأضاف: إن المواطنة تبدأ من إدراك الذات وتنتهي بخدمة الآخرين، وفي جلسة غنية بالمفاهيم، تعرف المشاركون على معنى المواطنة الفاعلة، وكيف يمكن للفرد أن يكون جزءاً من التغيير المجتمعي.

وتم الحديث عن الحقوق والواجبات، وعن أهمية المشاركة في المبادرات التطوعية، وعن دور الشباب في بناء مجتمع متماسك، فالمواطنة لم تقدم كشعار، بل كممارسة يومية تبدأ من احترام الذات وتنتهي بخدمة الآخرين.

وأوضح د. ميا أن القيادة ليست سلطة، بل قدرة على الإلهام، والتوجيه، وبناء الثقة وفي أنشطة جماعية نابضة بالحيوية، تعلم الشباب كيف يكونون قادة داخل فرقهم، وكيف يتعاونون لتحقيق أهداف مشتركة، وقد أظهرت التمارين الجماعية قدرة المشاركين على التنسيق، وتوزيع المهام، وتحقيق نتائج ملموسة بروح الفريق. مؤكداً أن التدريب لا يكتمل من دون أن نسمع صوت من خاضه.

بذرة لتحول حقيقي

قال الدكتور مهند ميا في ختام البرنامج: إن تدريب مهارات الحياة يقاس بمدى التغيير الذي يحدث في داخل الفرد، وفي طريقة تفكيره، وتفاعله مع العالم من حوله، فحين ندرب الشباب نحن لا نغيّر حياتهم فقط، بل نغير مجتمعهم ونرسم مستقبلاً أكثر وعياً وعدالة.

لقد أصبح المشاركون في هذا البرنامج أكثر وعياً، وأكثر ثقة، وأكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم، والتفاعل مع محيطهم، لقد أدركوا أن امتلاك مهارات الحياة هو الخطوة الأولى نحو أن يكونوا مواطنين فاعلين، وقادة في مجتمعاتهم، وصانعي مستقبل أفضل.

المشاركون

وفي نهاية الجلسات، عبر المشاركون عن مشاعرهم وانطباعاتهم، مؤكدين أن التدريب لم يكن مجرد معلومات، بل تجربة غيرت نظرتهم لأنفسهم وللحياة.

سارة قالت: إنها كانت تظن أنها تعرف نفسها، لكن بعد جلسة الوعي الذاتي، اكتشفت أشياء لم تكن تراها، والآن لديها أهداف واضحة وتشعر أنها تتحرك نحوها بثقة.

ولفتت شام إلى أنها تعلمت كيف تعبر عن رأيها من دون خوف، وكيف تستمع للآخرين باحترام، وأن التواصل أصبح أسهل حتى مع من تختلف معهم.

وعلق فادي قائلاً: إن جلسة حل النزاعات كانت نقطة تحول بالنسبة له، فقد كان دائماً يهرب من المواجهة، لكنه الآن يعرف كيف يتعامل مع الخلافات بطريقة ناضجة.

فيما وصفت لودي التدريب أنه “رحلة داخل الذات”.

وقالت اسرار: “كل شيء كان مرتبطاً بحياتنا اليومية، وهذا ما جعله ممتعاً ومفيداً.”

وعبرت نور عن امتنانها: “أشعر أنني أكثر قدرة على إدارة حياتي الآن.”وأكد جود أن “المواطنة الفاعلة كانت مفهوماً غامضاً، لكنها الآن أصبحت جزءاً من قراراتي اليومية.”

ونغم عبرت قائلة: “شعرت أنني أقوى عندما أعمل مع الآخرين.”

الاستثمار في المرحلة الذهبية

رئيس مجلس أمناء مؤسسة يراع وإبداع رانيا نكد، أكدت أن الفئة العمرية من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة هي المرحلة الأهم في حياة الشباب، لأنه في هذه المرحلة تتشكل الشخصية، وتُبنى القيم، وتُرسم ملامح المستقبل.

وتدريب مهارات الحياة في هذه المرحلة هو استثمار حقيقي في بناء جيل واعٍ، مستقل، ومواطن فاعل.

وتابعت: “نحن لا نمنحهم أدوات للنجاح فقط، بل نزرع فيهم بذور القيادة، والوعي، والانتماء وهذا التدريب بداية لمسار طويل من التمكين، والوعي، والمشاركة.”

وختمت نكد بقولها: “نحن نزرع اليوم، لنحصد غداً، شباباً يقودون التغيير، ويصنعون الفرق في مجتمعاتهم، وهذا البرنامج كان لحظة وعي، ومساحة أمل، وبداية حقيقية لمسار طويل من النمو والتمكين.”

آخر الأخبار
استهداف قيادات حماس في الدوحة.. بين رسائل إسرائيل ومأزق المفاوضات "إدارة وتأهيل المواقع المحروقة للغابات" في طرطوس تحالف يعاد تشكيله.. زيارة نوفاك  لدمشق ملامح شراكة سورية –روسية  دمشق وموسكو  .. نحو بناء علاقات متوازنة تفكك إرث الماضي  بين إرث الفساد ومحاولات الترميم.. هل وصلت العدالة لمستحقي السكن البديل؟ حلب تفرض محظورات على بيع السجائر.. ومتخصصون يؤيدون القرار 1431 متقدماً لاختبار سبر المتفوقين في حماة أسواق حلب.. وجوه مرهقة تبحث عن الأرخص وسط نار الغلاء دمشق وموسكو.. إعادة ضبط الشراكة في زمن التحولات الإقليمية "اللباس والانطباع المهني".. لغة صامتة في بيئة العمل المغتربون.. رصيد اقتصادي لبناء مستقبل سوريا الأردن: القصف الإسرائيلي على سوريا تصعيد خطير وانتهاك للميثاق الأممي هل تستطيع "كتلة التغيير" في إسرائيل لجم نفوذ نتنياهو؟!  سوريا.. بين الواقع و وسائل التواصل الاجتماعي زيارات وزير الزراعة لشركات ومؤسسات سعودية بقيمة 2 مليون دولار.. تأهيل عدة آبار في وادي مروان وجديدة يابوس "مجلس المرأة السورية".. وثمانية أعوام من النضال والإنجاز نفق الحياة قريباً في الخدمة.. مختصون: استخدام "الجبسمبورد" غير مجدٍ ولا أشجار في المنصفات المزارعون السوريون يكافحون وسط أسوأ أزمة زراعية منذ عقود "التحول الرقمي".. لتطوير العملية الامتحانية وتحقيق نهضة تعليمية شاملة