الثورة أون لاين – دينا الحمد:
كتاب جديد، بجهد مشترك عربي صيني، لمؤلفين قديرين وباحثين كبيرين هما الدكتور عبدالله شمت المجيدل أستاذ علم الاجتماع التربوي في جامعة دمشق، والدكتور الصيني (ماينغ جغ) رئيس قسم اللغة العربية بجامعة “صونيات صن” والمعرف عربياً بالدكتور سعيد جمال الدين، والكتاب صدر مؤخراً ويتناول العلاقات العربية الصينية من منظور تاريخي وثقافي، والتي امتازت على مر التاريخ بالتشاركية والتعاون والسعي لتحقيق المصالح المشتركة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
بداية يشير الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر أستاذ الدراسات الدولية بجامعة دمشق، الذي تصدى لرسم حروف الحكمة العربية الصينية على غلاف الكتاب، إلى أن أهم ما يميز هذا المؤلف القيم أنه نتاج باحثين (عربيّ وصيني) استطاعا أن يبحرا في عمق التاريخ ليوثقا هذا التواصل الحضاري بمنهج علمي رصين، وهو ما افتقدناه في كثير من المؤلفات السابقة التي قدمت وجهات نظر أحادية الجانب.
أما الباحثة الدكتورة خديجة حسن جاسم أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد فترى في تقديمها للكتاب أن خطة قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة جاءت لهذا العام حافلة بالنشاطات التي تعزز هذا التوجه وتحقق هذا الهدف، إذ توجت بتبني طباعة الكتاب الذي بين يدينا، وقد رأت أن المؤلفين أبدعا في استعراض العلاقة العربية الصينية، التي تعد المحاولة الأولى من نوعها في مجتمعاتنا التي يكتب فيها كتاب يتناول العلاقة بين مجتمعين أو حضارتين برؤية مشتركة تمثل كلا الحضارتين بأقطاب علمية تمثل كلا الثقافتين.
يغوص الباحثان العربي السوري والصيني في كتابهما في أعماق التاريخ فيشيران إلى أن العلاقة بين الدولة العباسية “المسلمة” والدولة الصينية “البوذية” شهدت تطوراً كبيراً، إذ دخل الإسلام إلى الصين، وبني أول مسجد فيها في مدينة غوانزو. وتطورت العلاقات التجارية بين العرب والصينيين براً وبحراً، ونُقلت تقانات الطباعة، التي شكلت ثورة في التطور الثقافي، وشكل طريق الحرير جسراً للتبادل التجاري والثقافي والعلمي، إذ يُعد الوطن العربي نقطة الوصل بين الحضارة الصينية وباقي حضارات العالم.
يرى المجيدل وماينغ جغ أن التاريخ الإنساني هو تاريخ حضارات، وأن التقاء الحضارات وانتقال العلوم والآداب والفنون وغيرها من مكونات حضارة ما إلى حضارة أخرى عن طريق النقل والاقتباس قد أثمر بشكل فعال في تنمية المجتمع الإنساني وإغناء الحضارة بكل أبعادها.
وفي تحليلهما لواقع الحضارتين العربية والصينية يرى الباحثان أنه كان للتفاعل الذي نشأ بين الحضارتين العربية والصينية اثر ايجابي متواصل في الطرفين وفي المجتمع الإنساني قديماً وحديثاَ، إذ تشير الدلائل والوقائع التاريخية إلى أن هذه العلاقات قد تطورت عبر مراحل مختلفة من الزمن، واتخذت أنماطاً ومجالات متنوعة، وتميزت في سياقها التاريخي بأنها علاقات يسودها الاحترام المتبادل والانفتاح على الآخر كما أن هذه العلاقات اتسمت بكونها ودية، وقائمة على التعاون على مر العصور.
ولم تقتصر على المجال الاقتصادي بل امتد هذا التلاقح والتلاقي ليضم مختلف العلوم والفنون والآداب ومد جسور الثقة والتعاون والتبادل الواسع النطاق في كافة المجالات وبما يسهم في تعزيز التنوع وتحقيق السلم الدولي والتنمية الإنسانية، إذ لم يكن طريق الحرير الذي ربط الصين ببلاد العرب شرياناً تجارياً وحسب، بل كان قناة لعناق حكمة الصين بعبق الشرق، فأبدع في نسج خيوط صداقة بين العرب وأهل الصين استمرت في دفئها لقرون طويلة.
يتابع المؤلفان الحديث قائلين بأنه في منتصف القرن العشرين بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، فدعم العرب تأسيس جمهورية الصين الشعبية، كما ساندت الصين الحقوق المشروعة للعرب بالاستقلال والتحرر الوطني من الاستعمار، وكان الموقف الصيني الداعم للحق العربي في الصراع العربي الصهيوني، موقفاً مبدئياً وثابتاً.
ويسلط الباحثان الضوء على تطوير العلاقات بين الصين والعرب فيشيران إلى أنه تم تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي عام ٢٠٠٤ الذي شكل نقلة نوعية في مسيرة تعزيز التعاون بين العرب والصين، ومع طرح مشروع الحزام والطريق من قبل الرئيس الصيني عام ٢٠١٣ انتقلت العلاقات العربية الصينية من السياق الاعتيادي إلى السياق الاستراتيجي، معتمدة على التماثل التاريخي، والتوافق السياسي والتكامل الاقتصادي.
واليوم، بدأت كثير من الدول العربية تطرح شعار التوجه شرقاً، بعد خيبة أملها من السياسة الأميركية، وبدا أن العالم بات يشهد تغيراً في بنية النظام الدولي، وذلك نحو نظام دولي يكون للصين فيه موقع الصدارة.
“العرب والصين قصة حضارتين”.. كتاب ثري وغني جداً لباحثين جديرين بالاحترام أسهما في ثراء مادتهما العلمية وغناها وتعبيرها عن كلا التخصصين وأوجه التثاقف بين الحضارتين في لوحة علمية معبرة وصادقة عكست الصورة الحقيقية لطبيعة العلاقة بين الحضارتين العربية والصينية، وأفضل ما في هذه العلاقة تطلع المؤلفين إلى طريق حرير جديد بعد مبادرة الحزام والطريق تعيد الأمل بدور صيني وعربي في بناء العالم وأمنه وسلامه واستقراره.