يتعمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبقاء حالة التوتر مع إيران قائمة إلى أمد طويل، وإقفال كل الأبواب أمام احتمال التوصل إلى حل نهائي لملفها النووي السلمي، وهو يسعى بكل قوة لقطع الطريق أمام إدارة بايدن الجديدة بحال فكرت في العودة للاتفاق النووي، وهذا في الأساس مطلب صهيوني صرف، ولكن من غير المستبعد أن يكون هناك اتفاق غير معلن مع بايدن للمضي قدماً في هذا النهج العدواني تجاه إيران، لإبقاء المنطقة بؤرة توتر مشتعلة بما يخدم مصلحة الكيان الصهيوني في العمل على استكمال مشروعه التوسعي.
التقارير الاستخباراتية والإعلامية حول نية ترامب بشن عدوان على مواقع نووية إيرانية في الأيام الأخيرة من ولايته الرئاسية تتصدر مشهد الأحداث الراهنة اليوم، لاسيما أنه طلب من مستشاريه تقديم خيارات تمكنه من شن مثل هذا العدوان، وهذا التهويل الصاخب ربما يندرج في سياق سلسلة الضغوط الأميركية القصوى، والمرجح أن تفضي إلى حزمة عقوبات أوسع وأقسى تضيق خيارات العودة للاتفاق النووي، وبايدن يحتاج لفرض هذه العقوبات، لأن الرد الإيراني عليها سيتخذه ذريعة للالتفاف على تعهده بالعودة إلى الاتفاق، خاصة أنه ربط تلك العودة بالتزام إيران بتعهداتها، رغم إدراكه الكامل بأنها وفت بكل التزاماتها في هذا الشأن، وأن إدارة ترامب هي التي انتهكت الاتفاق وانسحبت منه، ولعل تعهده – أي بايدن – لرئيس حكومة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو، بالتزامه العميق بأمن كيانه الغاصب، يشير بكل وضوح إلى نيته الواضحة في ممارسة سياسة المراوغة والمماطلة فيما يخص الاتفاق النووي.
شخصية ترامب المتعجرفة ربما توحي بإمكانية إقدامه على شن عدوان عسكري ضد منشآت نووية إيرانية، ولكنه هو نفسه يدرك بأنه عاجز عن ارتكاب مثل هذه الحماقة، نظراً للمخاطر الكارثية التي ستتعرض لها القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، فهو في ذروة تصعيده العسكري ضد طهران لم يستطع الرد على إسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية التي خرقت الأجواء الإيرانية العام الماضي، وكذلك وقف عاجزاً أمام الاستهداف الإيراني لقاعدة عين الأسد في العراق رداً على جريمة اغتيال القائد العسكري قاسم سليماني، وكل حملات التجييش والتحشيد الأميركي في المنطقة ضد إيران لم تخرج يوماً عن نطاق التصعيد بقصد التهويل والتخويف، وكانت تتوقف عند فرض حزمة جديدة من العقوبات.
التهديد الأميركي المتواصل لإيران لن يتوقف في المدى المنظور، وربما يأتي تحت أشكال وعناوين أخرى بعهد إدارة بايدن، وهذا مرده في الأساس إلى أن الولايات المتحدة ترفض التعايش مع فكرة أن إيران باتت قوة إقليمية ودولية مؤثرة، تمتلك قدرات عسكرية وعلمية واسعة، ولديها قدرة فائقة على المواجهة والرد، فهذا يتعارض بالمطلق مع سياسة الهيمنة والتفرد التي تحاول أميركا فرضها بقوة على العالم.
البقعة الساخنة – ناصر منذر