الثورة أون لاين:- ترجمة ختام أحمد:
تتجه كل الأنظار إلى أميركا ونتائج انتخاباتها، وإلى جانب “الانتخابات” الأميركية، هناك “أجزاء أخرى” متحركة في المشهد، عرضت ألمانيا للتو على واشنطن “صفقة ودية” تقوم ألمانيا بقيادة أوروبا لخدمة استراتيجية أميركية شاملة لعزل وإضعاف روسيا والصين، في المقابل، تصبح أوروبا الجديدة “قوة سياسية” يتم ترقيتها إلى مستوى التكافؤ مع الولايات المتحدة، وهذا يعني أن ألمانيا تتطلع إلى أن تكون زعيمة الاتحاد الأوروبي في العصر الجديد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاحظ سعي ألمانيا لذلك، لكن “الأجزاء المتحركة” الأخرى لهذا العرض تتحرك إلى حد كبير أيضًا، حيث تعتمد حيلة ألمانيا على آمالها بفوز بايدن، في حين يسعى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لنفس الغاية، ولكن قيادة أوروبا من قبل فرنسا يتوقف إلى حد ما على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق في نهاية العام، الأمر الذي يضعف أنجيلا ميركل غير المتحركة.
تخطط فرنسا لـ “إعادة التهيئة الكبرى” لأوروبا، مساحة تنظيمية وقيمية مدعومة بنظام مالي وديون مشتركة من شأنها إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية الفرنسية، كل هذا يثير العديد من الأسئلة، فبقاء ترامب يمكن أن يجهض أي طموح ألماني أو فرنسي لاستنزاف بعض القوة الأميركية، أولاً، ترامب ما زال موجوداً “رغم فوز بايدن”، ثانياً – ترى الصين وروسيا اللعبة بوضوح، ومع ذلك، يبدو أن القادة الأوروبيين يتوقعون استمرار الحرب كما لو أن شيئاً لم يكن.
فيما يتعلق باحتواء “رأسمالية الدولة التي تسيطر عليها الصين بقوة”، تقترح فرنسا إنشاء مجال تجاري أوروبي مفتوح فقط لأولئك الذين يرغبون في تعزيز ودعم النظام الليبرالي القائم على القواعد والذي يجب على الدول الأخرى “الخضوع له” (هذا ما قاله ماكرون). هذه هي أسس الطريقة التي تقترحها أيضاً بروكسل “الاتحاد الأوروبي” لتحقيق “الحكم الذاتي الاستراتيجي”، أما ألمانيا فتقول دائماً: إن أميركا وأوروبا معاً يمكنهما الحفاظ على الغرب قوياً، ومواجهة “تعطش” روسيا الواضح لمد نفوذها، والطموحات الصينية للتفوق العالمي… وهذا يتطلب منا أن نكون المانحين (في عملية العطاء والأخذ مع الولايات المتحدة)، في موقف سياسي قوي للعب اللعبة الجيوسياسية كما نريد.
ولكن حتى عند النظر إلى كل هذا، لا يزال هناك بعض الأميركيين غير مقتنعين بأنهم بحاجة إلى الناتو، لأنه لا يزال هناك شيء واحد مفقود: وهو أن يتخذ الأوروبيون إجراءات قوية بأنفسهم، حتى تتمكن الولايات المتحدة من رؤية أوروبا كشريك قوي على قدم المساواة، وليس “كفتاة” في محنة، فالمعضلة الألمانية هي معضلة أوروبية أيضاً، أي الاعتماد على الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه يجب أن تلعب ألمانيا دوراً رئيسياً في تعزيز أوروبا… وتمكينها من العمل بشكل أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت تتقاطع ثلاث قضايا جغرافية سياسية رئيسية هنا: أولاً، تتحول ألمانيا سياسياً بطريقة مشابهه لطريقة انتقالها في البيئة الأوروبية قبل الحرب العالمية الأولى وهي مزعجة للأوروبيين، فعندما سقط جدار برلين، ذهبت إلى روسيا التي كانت تؤيد إعادة توحيد ألمانيا، والآمال المعقودة على ألمانيا كونها شريك لمشروع توحيد أكبر أي بناء أوروبا الكبرى.
ولكن بدلاً من دعم انضمام روسيا لأوروبا توسعت أوروبا وحلف شمال الأطلسي إلى حدود روسيا، وكان الاتحاد الأوروبي – تحت ضغط الولايات المتحدة – يشكل أوروبا الكبرى التي ستضم إليها في النهاية جميع دول أوروبا، باستثناء روسيا، ولكن من خلال القيام بذلك، تم استيعاب أوروبا الغربية في الاتحاد الأوروبي وتم رمي التفرقة والعصبية في أوروبا الشرقية، في حين لعبت برلين طوال الوقت دوراً في عداء أميركا العميق لروسيا – كأداة لبناء مساحتها الأوروبية حتى الحدود الروسية.
وهكذا أعطت ألمانيا الأولوية لتهدئة النفور القديم في أوروبا الشرقية، قبل أي محاولة حقيقية لإقامة علاقة مع روسيا، تريد ألمانيا الآن “اللعب مرة أخرى”.. في مقابلة خلال شهر تموز الفائت، قالت أنجريت كرامب- كارينباور إن القيادة الروسية يجب أن “تواجه موقفاً واضحاً، نحن محصنون جيداً، وفي حالة الشك، مستعدون للدفاع عن أنفسنا، نحن نرى ما تفعله روسيا، ولن ندع القيادة الروسية تفلت من العقاب”. حسناً: تخدعني مرة.. لكن لن تخدعني مرتين”؟ وكانت قضية نافالني “المعارض الروسي” هي القشة الأخيرة، وكانت كذبة مفضوحة، أدركت ميركل وماكرون أنها كذبة، وكانوا يعرفون أن موسكو تعرف ذلك أيضاً، اللغز الحقيقي في تحمل موسكو لهذه المسرحية لفترة طويلة، يكمن في النسر الروسي ذي الرأسين، الذي يتجه في اتجاهين متعاكسين: أحدهما باتجاه أوروبا والآخر باتجاه آسيا، خداع ميركل الواضح هو توسيع واختبار الثقة الاجتماعية في روسيا، قد تميل النخب الروسية نحو أوروبا، لكن قاعدتها تبدو شرقية.
أما ماكرون الضعيف سياسياً – والذي لا يزال نشيطاً – يأمل في استنزاف المزيد من قوة ميركل (من الناحية التجارية)، من خلال هندسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة، وهذا من شأنه أن يدمر الفائض التجاري الضخم لألمانيا مع بريطانيا، في نفس اللحظة التي تخسر فيها ألمانيا الأسواق في روسيا (وربما الآن في الصين)، وعندما يحسم الرئيس الأميركي القادم – في حال بقي ترامب – فمن المرجح أن تشرع أميركا في حرب تجارية جديدة مع أوروبا، ويهدف ماكرون أيضاً إلى إضعاف ميركل من خلال معارضة أداة الديون الأوروبية المشتركة، جنباً إلى جنب مع السياسات المالية المشتركة، بحيث يمكن لفرنسا أن تسحب الموارد المالية الألمانية الموضوعة ضمن “وعاء مشترك”، ثم يتم نشرها لتجديد الاقتصاد الفرنسي.
تخطط بروكسل لـ “إعادة ضبط كبيرة” – أي تحويل الاقتصاد الأوروبي، والمجال الاجتماعي من خلال الأتمتة والتكنولوجيا، يقول الكاتب توم لونغو: “لقد كان واضحاً جداً بالنسبة لي أن لدى أوروبا أوهام كبيرة إذ تعتقد أنها تستطيع إخضاع العالم لإرادتها، ما يفرض قواعد ومعايير جديدة على العالم، لو شرع القادة الأوروبيون في عملية “إعادة التعيين الكبرى” للأتمتة، وإضافة المزيد من البطالة الهيكلية بين الناس وخاصة ضمن هذه الأجواء العالمية المنهكة اقتصادياً بسببCOVID19، فإنها ستكون مهددة بالفعل بالسقوط تحت ثقل الشارع المتزايد وسيؤدي إلى احتجاج جماهيري أوروبي، ما يسمح مرة أخرى للولايات المتحدة بالتدخل والعمل كوكيل لها وحمايتها من الداخل والخارج، حيث تحاول أوروبا الحفاظ على مكانتها “القوة السياسية الوهمية”، إنه بالفعل وهم متعجرف.
بقلم: أليستر كروك
Strategic Culture