الثورة – علا محمد:
تبدو جبال الساحل كأنها تنفتح على سرٍ قديم، تحمل بين طيّاتها قصصاً من الحياة والنمو، لكن بعد أنينها تحت وطأة نيران مدمرة كشفت عن هشاشة توازنها البديع.
الحرائق ليست مجرد خسارة بيئية، بل نداء فاضح يتطلب منا استنارة فكر وخطوات جريئة لإعادة إحياء تلك الحواضر الخضراء التي شكلت روح المنطقة.
في هذا السياق، تستعرض صحيفة الثورة حواراً مع المهندس والخبير الزراعي أكرم عفيف الذي أشار إلى أن الحرائق التي اجتاحت جبال الساحل ستترك آثاراً سلبية على المناخ، وأن الغطاء النباتي يلعب دوراً رئيسياً في استجلاب الأمطار، وإنتاج الأكسجين عبر عمليات التركيب الضوئي، بالإضافة إلى تعديل حرارة الطقس والرطوبة، وأوضح أن المساحات المتضررة ليست فقط نتيجة للحرائق، وإنما أيضاً بسبب القطع الجائر للغابات نتيجة غياب بدائل التدفئة، ما يتطلب وضع خطة على المستوى الوطني لإعادة تأهيل الغابات وإعادة الحياة إليها.
وتابع عفيف بقوله: إنّ الأرض ستعود للحياة لكن مع عمر الأشجار، فهناك أشجار عمرها بين 30 إلى 100 سنة، وتتطلب وقتاً طويلاً للانتعاش، لكن الطبيعة تتميز بتجددها، خاصة عندما تتوفر الهطولات المطرية، وذكر أن الأشجار الحراجية، على عكس غيرها، تتمتع بقدرة عالية على التجدد، وهو عامل مهم في عمليات التعافي الطبيعي.
توصيات مختلفة للإصلاح
وحول الإجراءات المستقبلية، أكد عفيف أن مسؤولية وضع الاستراتيجيات تقع على عاتق الجهات المختصة، سواء كانت حكومية أو أكاديمية، لتحضير خطط فعالة للتعافي، وأشار إلى أن العديد من التوصيات صدرت، منها ترك الغابة المحترقة مع أشجارها، فهي تبقى ضرورية لبقاء الغابات ولمساعدتها على التجدد، بالإضافة إلى التوصية بزراعة الأشجار الحراجية، مع تجنب الأنواع المثمرة التي قد تتأثر سلباً.
وحول أفضل الزراعات التي يمكن الاعتماد عليها، أوضح عفيف أنه يفضل زراعة الفول في المنطقة، لما له من دور في تجديد التربة وإعطاء مادة الدوبال والآزوت المحفز للنمو، ومع ذلك هناك اختلاف في وجهات نظر علماء الغابات، ففي رأيه، أن الأشجار الحراجية مثل الخرنوب والغار تظل الخيار الأمثل لأنها تعطي نفعاً للسكان ولها القدرة على التجدد. واستعرض عفيف ظاهرة زراعة أشجار الصنوبر في الغابات الصناعية، مشيراً إلى أن لها أضراراً، إذ أنها تساهم بشكل غير مباشر في انتشار الحرائق، بسبب احتراق الثمار التي تتطاير وتنتشر بسرعة، ما يصعب السيطرة عليها، لذا، فإنه يوصي بالاختيار الحكيم للأشجار التي تعوض الغطاء النباتي بطريقة فعالة.
وفي مداخلته، ذكر أن هناك دراسات حديثة حول مقاومة الأراضي للحرائق، تمت في أنحاء العالم، إلا أن غيابها في سوريا خلال النظام السابق حال دون الاستفادة منها، وأكد أنه في الحقبة الجديدة، يتوجب توفر دراسات مختصة لإحياء الغابات والحفاظ على ما تبقى منها.
الخطة الوطنية والتدخل السريع
وأشار عفيف إلى أن هناك خطة جاهزة لحماية الغابة والتدخل السريع، قدمها فيما سبق لوزير الزراعة السابق محمد حسان قطنا، وما زالت قابلة للتنفيذ، ويسعى لتقديمها لجميع الجهات المعنية التي من الممكن أن تساهم في إيقاف الحرائق والحد من أضرارها، وأكد على أهمية وضع خطة واضحة لمقاومة الأراضي الزراعية، عبر القضاء على مسببات الحرائق ومنع انتشارها، لأن حرائق الغابات لا تشتعل من شجرة لشجرة فقط، بل غالباً من الهشير، وهو ما يمكن التعامل معه من خلال تفعيل الدور التقليدي للمواطنين، مثل وجود الماعز والأغنام التي كانت تساعد سابقاً على أكل الهشير ووقف انتشار الحرائق.
ودعا الخبير الزراعي إلى تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي، قائلاً: “إذا تم توظيف طاقات المجتمع، فسنتمكن من تشكيل مئات، بل آلاف الأشخاص الذين يساهمون في عمليات الإطفاء بشكل فعال”، مقترحاً تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي بشكل فعّال، حيث يمكن توظيف طاقات المجتمع في الحفاظ على الغابة وإيقاف الحرائق من خلال تدريب الأفراد على استخدام أدوات الإطفاء البسيطة، وتوفير وسائل دعم مثل السيارات والمعدات اللازمة، كتجهيز سيارات إطفاء صغيرة، قابلة للتنقل بسرعة، مع تركيب “ترمبات” ضخ عالية، وأنابيب بطول 100 متر، ومحركات شفاط، وتكون جاهزة للتدخل قبل وصول فرق الإطفاء الرسمية إلى مصدر الحريق، وذلك بالاعتماد على جهود المجتمع المحلي وطاقاته.
الإنسان صمام الأمان
وبرأي عفيف ينبغي تغيير المفهوم القائم، فالشعار الذي قال “تستطيع الغابة أن تعيش من دون إنسان، لكن الإنسان لا يستطيع العيش من دون غابة” يحمل في طياته تصوراً كارثياً، لأن الغابة والإنسان هما كيانان مترابطان، ويجب أن يُنظر إليهما كمكونات مشتركة، تترابط وتتكامل، فالمناطق التي يسكنها البشر عادة ما تكون أقل عرضة للحرائق، نتيجة للوعي والحماية، بينما الأماكن غير السكنية قد تكون عرضة للحرائق بسبب الإهمال أو
قلة الصيانة، موضحاً : لذا من المهم أن نعمل على استدامة سكان الغابة من خلال مشاريع تنموية واقتصادية تحفظ البيئة وتحسن مستوى دخل القائمين والقاطنين فيها، كزراعة الأشجار المثمرة، وتطوير السياحة البيئية، وتعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة، بهذه الطريقة، نضمن توافر سكان غابة واعين، واحتراماً يخدم الحفاظ على الغابة ويقلل من احتمالات الحرائق، ويعزز من استمرارية الحياة فيها بشكل متوازن ومستدام.