الثورة – عبير علي:
بعد سنوات من الغربة والألم، عادت الفنانة التشكيلية سمية زهرة من الكويت لتقدم معرضاً فنياً يجسد رحلة الأمل والصمود.
وفي بهو كلية الإعلام والفنون التطبيقية في جامعة القلمون الخاصة، افتتحت زهرة معرضها الفردي الفني بعنوان”زهرة دمشق”، الذي حمل في طياته قصة شعب كامل، قائم على فكرة تشخيص الزهرة لتعبر عن الٱلام وصمود الشعب السوري فهي قصة نسجتها الفنانة بريشتها عبر سنوات الألم والأمل.
وفي تصريح لصحيفة الثورة اعتبرت سمية أن معرضها هو قصة امرأة عاشت في الغربة، لكن قلبها لم يفارق سوريا لحظة واحدة.. تقول: “كنت أتابع الألم ووجع السوريين في الفترة الماضية، وأدعو الله دائماً أن تتغير الأحوال للأفضل وأن نتحرر”، تقول الفنانة بصوت مليء بالعاطفة:
“كنت أتألم كثيراً على السوريين الذين ماتوا في البحر والذين ماتوا تحت ركام منازلهم، وأكثر موضوع أوجعني عندما تم قصف الغوطة بالكيماوي.. لا أنسى هذا اليوم أبداً.
“واجهت الفنانة هذا الألم بطريقتها الخاصة: “كنت أحاول أن أعبر عن هذه المشاعر من خلال الرسم، وكنت أواجه الألم والوجع بالفرح والسعادة، وأن نواجه الحرب بالأمل ونحقق السلام ونعود لنعيش في بر الأمان”.
ضمّ معرضها 30 لوحة زيتي على القماش تحكي قصة سوريا بكل تفاصيلها المؤلمة والمشرقة.
ففي لوحة “الغارقة” جسدت الفنانة مأساة الهجرة السورية عبر البحر المتوسط، ورسمت الأطفال والنساء والشباب “كالورود الجميلة” التي ابتلعها البحر، مؤكدة أن موجات البحر لم تكن آمنة، بل كانت موجات موت.
وفي لوحة “الأمومة تحت الركام” عبرت عن أم تضمّ أولادها وهم يعيشون تحت القصف، إذ ماتت الأم الوردة وأحد أبنائها، لكن بقي أحدهم حياً، “وهو تعبير عن أننا مهما حاولوا أن يضربونا ويقتلونا سنبقى أحياء.
“فيما حملت لوحة “الثكلى” مشاعر الغضب والحزن معاً، فهي وردة حمراء تشعّ لوناً أحمر غاضباً وحزيناً لأنها فقدت ابنها البرعم الصغير، وإحدى أوراق الوردة تحولت إلى رماد من كثرة الألم، فهي تعبير عن أن “أم الشهيد عندما تفقد ابنها تفقد جزءاً من روحها وجزءاً من حياتها.
“واختتمت الفنانة مجموعتها بلوحات الأمل والانتصار، في لوحة “طائر العنقاء” وفيها شبهت سوريا بطائر العنقاء الذي احترق خلال الأربعة عشر عاماً الماضية، ومن المعروف أن الطائر يعود وينتفض ويحيا من الرماد، فهي تعبير عن الأمل قائلة”ونحن حالياً بدأنا بمرحلة العودة من الرماد وسنرجع أقوى، فقد بدأنا بداية جديدة.
“أما لوحة “الأمل” فهي تحكي عن دمشق القديمة التي رسمتها الفنانة بالأبيض والأسود لتعبر عن حياة السوريين خلال فترة الحرب، “كانت كلها وجع من دون حياة من دون لون”، لكن في آخر اللوحة هناك ألوان وحياة وورود وشاب في مقتبل العمر، “وهي تمثل الأمل أن نرجع لحياتنا الحلوة المزهرة، والحمد لله قد تحقق هذا الأمل.
“أما رسالة الفنانة التي حملتها اليوم وخاصة بعد التحرير فقد تمثلت في لوحة “جوقة فرح” التي رسمت فيها خريطة سوريا وملأتها بورود الياسمين التي تعبر عن فرحة السوريين بالتحرير.
عميد كلية الإعلام والفنون التطبيقية في جامعة القلمون الخاصة الدكتور غسان أبو جنب أكد أن الفنانة سمية زهرة قدمت لوحات يعكس إحساسها بالواقع المحيط للأشياء الجميلة، التي لا تمر عابرة أمام مشاعرها شكلاً ولوناً، فكان للأزهار بكل ألوانها وجمالياتها الروحية حضور لطيف، يأخذنا إلى بستان متنوع الأزهار، وما على المتلقي إلا أن يستمتع بعبق الإحساس بالفن عبر نشوة الماضي وذكرياته الدفينة بين الأزهار والأزقة والشرفات والنوافذ في منطقة التحفظ الوجدانية للفنانة، وهي الأكثر صدقاً من الذاتية في سموها نحو الجمال.
من جانبها أشارت الفنانة التشكيلية فيفيان الصايغ إلى أن معرض الفنانة سمية يفتح باباً بصرياً إلى عالم داخلي ناعم ومتأمل، حيث تصبح الورود وسيلتها للتعبير عن حالات إنسانية، تتراوح بين الحنين الحضور والانفصال، منوهة بأن اختيارها للزهور كرموز ليس مجرد تجميل بصري، بل هو استعارة لحالات شعورية معلقة في الزمن، الورود تهمس تبدو كأنها دعاء بصري للحظة صافية في قلب الفوضى.
ولفتت الصايغ إلى أن هناك حساً تقنياً محترفاً في التعامل مع الواقعية، مع الظل والنور، وفي توزيع اللون بطريقة تشبه حواراً داخلياً بين الفنانة وذاكرتها البصرية.
واختتمت بالقول”رغم عنفوان رسالة المعرض إلا أنه يهمس، وكأن سمية اختارت أن تتحدث بلغة الهدوء، لتزرع لحظات تأمل في قلب المتلقي، وأنا كفنانة وجدت في تلك اللوحات فسحة صادقة للصمت والتفكير، وهذا في ذاته إنجاز فني نبيل ”
.”زهرة دمشق” ليس مجرد عرض فني، بل شهادة تاريخية ورسالة أمل لكل من عاش تجربة الألم والصمود، وإثبات أن الفن قادر على تحويل الوجع إلى جمال، والألم إلى أمل، والحرب إلى سلام.