افتتاحية الثورة -بقلم رئيس التحرير- علي نصر الله:
خطابات ورسائل مُتعددة تَصدر من داخل الحزب الجمهوري ومن منافسه الديمقراطي، تَكاثرت حتى باتت تعكس حالة أزمة في الولايات المتحدة، القاسمُ المُشترك فيها وبينها: تَوجيه الدعوة إلى دونالد ترامب للاعتراف بالهزيمة في الانتخابات، والحديثُ عن الانتقال السلمي للسلطة!.
أميركا التي تَدّعي أنها أُم الديمقراطية، أميركا التي تَفتتح الحروب باسمها وحماية مَزعومة لها، أميركا التي تَملأ الفضاء ضَجيجاً حول ما تَصفه بالديمقراطية، تَدخل نفق التشكيك بنتائج انتخاباتها الرئاسية، وتتحدث عن التزوير وعدم الاعتراف، يَطعن طرف بخصمه ويَتهمه، هو ما يَضع النظام بأكمله أمام تحديات ستأكل ما بقي من مصداقية لهذا النظام .. هذا إذا بقي شيء منها!.
لأصحاب الذاكرة الضعيفة، ربما من الواجب أن يُقال لهم: الأمر لم يَبدأ للتو، والأزمة قائمة لكن الولايات المتحدة كانت تُخفيها، أو كانت تُحاول إخفاءها، ذلك أنها إذا كانت أزمتها تتفجر اليوم على هذا النحو، فإنها لم تنشأ فجأة ومن غير مُقدمات .. تَذكروا حملات التشكيك التي شهدتها الانتخابات بأميركا بعد إعلان فوز بوش الابن، وتَذكروا ما قاله باراك أوباما بعد إعلان فوز ترامب!.
أوباما بعد إعلان فوز ترامب تَحدث عن زلزال، لم يَكتف بالحديث عن العُزلة التي تنتظر أميركا بل، راح يتحدث عن أهمية الانتقال السلمي للسلطة، أي إنه استشعر خطر ارتدادات فوز ترامب وخطورة سياساته قبل أن تَبدأ على الداخل الأميركي، على مَكانة الولايات المتحدة، وعلى شراكتها مع دول الأطلسي، ذلك مع الإشارة إلى التداعيات التي ستَفتح على مَخاطر كُبرى تُهدد النظام الدولي وتُسرع ربما بنشوء نظام جديد يُحجم أميركا أو يَلفظها.
ليس من المُبالغة في شيء أن يَقرأ كثيرون هذه الأبعاد بما يَجري في أميركا، بل ربما هي مُقاربة لا تُلامس حجم المشكلة والأزمة الحقيقية هناك، فالتشكيك يَتجه للطعن بنتائج انتخابات رئاسية لا حزبية داخلية، والحديثُ يذهب إلى احتمالات قوية بعدم الاعتراف بها قد يَنسف مبدأ تداول السلطة وانتقالها السلمي بسلاسة .. وأين؟ في أميركا التي تَدّعي ما تَدّعيه بالديمقراطية ومُمارساتها وآلياتها المُحكمة دستورياً التي تُريد تَعميمها وفَرضها على العالم قَسراً كأنموذج ومثال!.
نتيجةٌ طبيعية كل ما يَحصل، ومُقدمة لما هو أعمق يَقود للتفكك ربما، يَقود للانهيار ربما أيضاً، ذلك لألف سبب وسبب تتعلق جميعها بسياسات الولايات المتحدة الداخلية والخارجية، وتتصل بما أحدثته من تناقضات وبما فَرضته من تحديات واستحقاقات لا مَجال لتأجيلها مسافة زمنية أطول بسبب من تراكم تداعيات صارت بحجم جبل ولا يَنقصها إلا الفتيل لتتفجر.
عندما تَدوس الولايات المتحدة القوانين كل القوانين، وتنتهج البلطجة مع الشريك والخصم والعدو فتجعل السياسة والأمن والاستقرار والسلام سلعة، والحرب والعدوان والإرهاب والعقوبات وسيلة، والأمم المتحدة ومنظماتها ومؤسساتها دائرة من دوائر خارجيتها، فإنها تتقدم بسرعة كبيرة للعُزلة، وعندما تَنسحب من المعاهدات والاتفاقيات والمنظمات الدولية، تَنقضُها وتَنقلبُ عليها وتُهدد من يَبقى فيها، فإنها تُعمق عُزلتها وتتقدم إلى ما هو أكثر خطورة، وعندما تُشرعن الاحتلال الصهيوني للقدس والضفة والجولان وتَستغرق بالحماقات والبلطجة والاستفزازات (زيارة بومبيو للجولان السوري المحتل) فإنها لا تُبقي مَطرحاً إلا للتصعيد ترجمة لحالة الالتصاق بالكيان الصهيوني وتبنياً لعنصريته ومخططاته العدوانية التوسعية.
بين الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي خسرها ترامب – يُنكرها حتى الآن – وحفل التنصيب للفائز مسافة زمنية فاصلة لا شك ستَحمل الكثير من المُفاجآت، إقالات واستقالات، حماقات واستفزازات، وربما ما هو أخطر يُؤكده التركيز غير المَسبوق على أهمية ضمان الانتقال السلمي للسلطة، وتُدلل عليه كثرة الدعوات الأميركية المُوجهة للاعتراف بفوز جو بايدن، الذي ليس صحيحاً أنه يَختلف عن أسلافه لجهة التراجع من عَدمه عن سياسات البلطجة، بل إنّ السياق الطبيعي للسياسة الأميركية يُفيد بأنّ فريق بايدن سيكون مُزدحماً بأصحاب الرؤوس الحامية، وهو ما سيُؤكد أنّ النظام الأميركي مارق تَحكمه اللوبيات الصهيونية.