الثورة أون لاين – رفاه الدروبي:
بدأ المهندس والباحث عبد الهادي النجار حديثه عن جامع النوري الكبير بأنه يعد أضخم المساجد القديمة والمواقع الأثرية في مدينة حمص ، وقد اختطه أبو عبيدة بن الجراح بعد فتح حمص سنة 15 للهجرة (636 م) في قسم من كنيسة يوحنا المعمدان .. كان ضمن محاضرة في عنونها “النقوش الكتابية في الجامع النوري” أقامتها الجمعية التاريخية .
وأشار بأنه يرجح أن الكنيسة كانت في حينه متداعية بسبب تدمير طالها ، كما طال الكنائس والمعابد في بلاد الشام ، بفعل الزلازل والحروب الساسانية الرومية المتكررة لا سيما الغزو الفارسي خلال السنوات بين 613 و628 ميلادية .
منوِّها بأن الخوري أسعد يشير في كتابه “تاريخ حمص” إلى أن المستشرقين جعلوا أوضاع حمص عائقاً كبيراً في وجه المسيحية لأنها كانت مدينة كهنوتية تعيش على موارد الحج واستثمار الأقوال التنبؤية ، وبيع التعاويذ والطلاسم .
وأسرف المستشرق الفرنسي رينيه ديسو (ت 1958) فيذهب إلى أن الوثنية استمرت فيها حتى أواسط القرون الوسطى،
إلا أن عبادة الشمس في هيكل الشمس ربما استمرت حتى حوالي نهاية القرن الخامس على ما وجده الأب هنري لامنس (ت 1937) ، ثم استحال الهيكل إلى كنيسة في تاريخ لاحق .
الباحث النجار يتابع الحديث عن ما تناوله عدد من العلماء ومنهم اقتراح رئيس الوزراء الفرنسي وعالم الآثار المعروف ويليام وادينغتون (ت 1894) أن الجامع الكبير في حمص يعتبر جزء منه كنيسة مسيحية قديمة ، واحتوت على بقايا معبد وثني . ومن الممكن أن يكون المكان موقع المعبد العظيم للشمس ، حيث كان الإمبراطور الرومي إلجابالوس تاريخ 222 رئيس كهنة فيه .
لافتاً لما أورده وادينغتون رأيه في موسوعته الخاصة بالنقوش الكتابية اليونانية واللاتينية في سورية الصادرة سنة 1870 تعقيباً على النقش الرومي ذي الرقم 2570 ضمن الفصل 23 الخاص بالنقوش في إميسا (حمص) . كما يؤكد أستاذ اليونانية القديمة هنري هايمن (ت 1904) “من دون شك” أن هذا النقش يخص إله الشمس في إميسا .
بينما انتقل المهندس عبد الهادي لنقش رومي لا يزال موجوداً في جامع حمص الكبير حيث ظهر بعد الترميمات الأخيرة على قاعدة أحد الأعمدة . ولكن القراءة المتجردة للنقش تطرح أسئلة أكثر مما تقدم إجابات ، ولا تحسم الفرضية القائلة بأن موقع جامع حمص الكبير بحد ذاته معبد الشمس الوثني، كما أنها بطبيعة الحال لا تنفي الفرضية نفسها .
ولا يقتصر الجدل على النقش الفريد بل يمتد أيضاً إلى النقوش الكتابية الإسلامية المتبقية في أرجاء الجامع وجلها تعود إلى الفترة المملوكية ، إذا ما تجاوزنا الكتابات المعاصرة على المنبر وفي مواضع أخرى .
مشيراً بأن ضياع النقوش الموثقة لحقبة ما بين الرومية والمملوكية يرتبط بلا شك بخراب كبير طال الجامع بسبب الحروب والزلازل ، خاصة زلزال سنة 1169 (565 ه) وقد ألحق دماراً واسعاً بالجامع ، واستتبعته عملية بناء شاملة في عهد نور الدين الشهيد سنة 1174 فأصبح الجامع يوصف بالجامع النوري .
على حين أوجز الباحث بعض المعطيات عن أهم النقوش الكتابية المتبقية فيه ، وإن البحث في نقوش جامع حمص الكبير لا يزال مستمراً حتى الآن حيث يقوم الدكتور فرج الحسيني بالتوسع في أبحاثه حول النقوش المملوكية في الجامع ، خاتماً محاضرته بأن نقوش الجامع مدار بحث منذ 150 سنة على الأقل بما خطه قسطنطين بن داوود في مخطوطه “تواريخ مدينة حمص العدية داخلاً وخارجاً” ، ثم ما أورده المستشرقون مثل موريتز سوبرنهايم سنة 1933 ، وماكس فان بيركم سنة 1921 ، وماكس فون أوبنهايم سنة 1946 ، وإرنست هرتسفلد سنة 1948 ، وأيضا كامل شحادة ، ورياض البدري ، والدكتور عبد الرحمن البيطار ، والأستاذ محمد غازي حسين آغا ، وغيرهم