الثورة أون لاين – لميس عودة:
تصادف اليوم الذكرى الـ73 للقرار الجائر والمجحف الذي تبنته الأمم المتحدة 1947 القاضي بتقسيم فلسطين المحتلة، هذا القرار الذي فخخت مضامينه ولغمت بنوده الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بمحاولة خبيثة لإضفاء شرعية مفقودة على كيان الاحتلال الغاصب للأراضي العربية، ومن خلاله أُرخ لتاريخ المأساة الفلسطينية التي تبعتها النكبة وتهجير الشعب الفلسطيني بقوة النار والحديد وإرهاب العصابات الصهيونية عن مدنه وبلداته لصالح غرس كيان الإرهاب الصهيوني الاحتلالي التوسعي في قلب المنطقة العربية.
73 عاماً على قرار التقسيم الظالم وما زال صانعو المأساة الفلسطينية أميركا بريطانيا ومن على شاكلتهما الاستعمارية متواطئين مع الكيان الصهيوني الذي زرعوه عنوة في منطقتنا، وأعراب النفط والأنظمة الانهزامية الانبطاحية الذين باعوا فلسطين تاريخياً متواطئون وضليعون بالمؤامرة، فبعد هذا القرار المجحف توالت فصول التآمر على القضية الفلسطينية لتصفيتها وشطب حقوق الفلسطينيين المشروعة التي كفلتها الشرعية الأممية وقوانينها، وما صفقة العار الأميركية المسماة بصفقة القرن وفصول التطبيع الأعرابي المهين إلا حلقة بسلسلة طويلة من الاستهداف لفلسطين المحتلة وقضيتها ولكل الدول التي تناصرها وتتشبث بعدالة قضيتها، فما جرى ويجري من استهداف إرهابي عسكري واقتصادي وسياسي لسورية ودول محور المقاومة هو بمجمله استهداف معلن لكل من يؤازر قضايا الحق ويقبض على جمرات ثباته في وجه المشروع الصهيو- أميركي في منطقتنا.
خلفية تاريخية
تبادرت فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين في تقرير لجنة پيل 1937 وتقرير لجنة “وود هيد” 1938 وصدر هذان التقريران عن لجنتين تم تعيينهما على يد الحكومة البريطانية لبحث قضية فلسطين إثر الثورة الفلسطينية الكبرى، وتكررت فكرة التقسيم مرة أخرى أثناء مؤتمر لندن 1946 إذ عرضت بريطانيا على العرب ما سمته مشروع النظام الاتحادي وهو تقسيم فلسطين إلى أربع مناطق: المنطقة اليهودية وتشمل الأراضي التي سلبها الصهاينة إلى وقت عرض المشروع، وكذا مناطق كبيرة بين المستعمرات الصهيونية وما حولها، والقدس وتشمل القدس وبيت لحم والنقب، والمنطقة العربية وتشمل ما تبقى من أراضي فلسطين وتمنح كل من المنطقة العربية والصهيونية استقلالاً ذاتياً.
لكن العرب رفضوا كلا المشروعين ووقفوا بقوة ضد مبدأ تقسيم فلسطين وحين أدركت بريطانيا فشل مساعيها الرامية إلى التقسيم اتجهت إلى أن يتم تقسيم فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني فيها عن طريق منظمة الأمم المتحدة التي كان للولايات المتحدة الأميركية نفوذ كبير داخلها وكانت الحركة الصهيونية بدورها قد بدأت تركز نشاطاتها وضغوطها على الحكومة الأميركية لإدراكها أنها القادرة على تمرير التقسيم في المنظمة الدولية.
قرار التقسيم
قرار الجمعية العامة رقم 181 الذي أُصدر بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947 تبنّى خطة تقسيم فلسطين إلى 3 كيانات جديدة أي تأسيس دولة عربية وأخرى يهودية وأن تقع مدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية.
هذا القرار الذي أوصى ولم يلزم الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية على نسبة 45% من أرض فلسطين، و”دولة “صهيونية على نسبة 54% رفضه الشعب الفلسطيني آنذاك واعتبر القبول به خيانة وجريمة وطنية عظمى يعاقب عليها القانون، بينما اتخذت العصابات الصهيونية من قرار التقسيم هذا غطاء وذريعة لطرد الشعب الفلسطيني من أرضه.
وبعد الضغوطات التي مارستها الدول الاستعمارية والصهاينة المتنفذين فيها على الدول المحايدة للتصويت لمصلحة الصهاينة في فلسطين صدر قرار التقسيم من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بموافقة 33 دولة واعتراض 13 دولة وامتناع الباقي.
تآمر أميركا لاستصدار قرار التقسيم
شعرت الوفود العربية أن عامل الزمن لا يسير لمصلحة القضية الفلسطينية فركزت جهودها على سرعة التصويت على مشروع قرار التقسيم أملاً في إحباطه، وفي مساء 26 تشرين الثاني كاد يحدث التصويت في الجمعية العامة فعلاً ولو جرى يومها لسقط مشروع التقسيم حتماً لكن رئيس الجمعية العامة أجل الجلسة بحجة ضيق الوقت وكان رئيس الجمعية ينفذ دوره في لعبة تأجيل التصويت لكسب الأغلبية اللازمة لإقرار التقسيم تماماً كما خطط له البيت الأبيض والحركة الصهيونية العالمية.
وقد تكشفت فيما بعد أسباب تغيير بعض الدول مواقفها وازدياد الأصوات الموالية للتقسيم فقد تآزرت الولايات المتحدة الأميركية كحكومة وكرسميين مع الحركة الصهيونية في شراء الضمائر والأصوات اللازمة لتمرير التقسيم، ولقد اعترف رئيس الولايات المتحدة الأميركية هاري ترومان بدور بلاده في شراء أصوات مؤيدي التقسيم في مذكراته.
إلا أن كيان الاحتلال لم يكتف بالسيطرة على 54% من مساحة فلسطين تطبيقاً لقرار التقسيم إنما تعداه ليحتل أراضي فلسطينية أخرى لتصل المساحة الإجمالية للاحتلال مع الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني إلى ما نسبته 78% من أرض فلسطين لتعود وتحتل ما تبقى من ارض فلسطين في 1967.
عدم شرعية قرار التقسيم
يعتبر قرار تقسيم فلسطين غير قانوني ولاغياً لأنه وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة فإن مهمة أي انتداب تهيئة الشعب المُنتَدَب لتقرير مصيره وتهيئته لبناء دولته المستقلة وإذا عجز عن ذلك يتم تشكيل نظام وصاية دولية، إلا أن الأمم المتحدة لم تفعل هذا ولا ذاك مع الانتداب البريطاني على فلسطين، من ثم لا تملك الجمعية العامة إجراء أي تعديل أو تغيير في صك الانتداب حتى وإن رأت الجمعية العامة وحسب النصوص أن خير حل للقضية الفلسطينية هو التقسيم فلا يعتبر ذلك قراراً ملزماً وإنما يكون ذلك اقتراحاً أو توصية غير ملزمة، إلا أن كيان الاحتلال وحلفاءه يتمسكون بهذا القرار ويضفون عليه صفة الإلزام القانوني المطلق ولا يقيمون وزناً لأي من قرارات الجمعية العامة اللاحقة الخاصة بفلسطين وشعبها وحقوقه الثابتة مدعين أنها مجرد توصيات لا إلزام قانوني لها، أما الأهم وفقاً للنصوص لا يحق للأمم المتحدة أن تنشئ دولة جديدة أو أن تلغي دولة قائمة.
وبهذا يعتبر القرار 181 لاغياً إذ يتعارض مع أحكام القانون الدولي التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة ذلك لعدم صلاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني
في محاولة من الأمم المتحدة لتبرير قرارها اللا شرعي بالتقسيم ولذر الرماد في العيون أنشأت يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في ذكرى القرار المشؤوم، فبعد مرور ثمانية وثلاثين عاماً على إقرار هذا اليوم وسبعة وستين عاماً على إعلان المشروع الصهيوني قيام كيانه العنصري الذي تم الاعتراف به بعد عام واحد من قيامه من قبل الأمم المتحدة اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذكرى تقسيم فلسطين يوماً للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني.
ويأتي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي أقرته الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني من كل عام، ولا يزال آخر احتلال على وجه الأرض مستمراً في إرهابه وقتله وتطهيره العرقي العنصري بحق الشعب الفلسطيني والاستيطان ومصادرة الممتلكات وحرمانه من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على مرأى من المجتمع الدولي المتواطئ والمتآمر مع الكيان الصهيوني.