الملحق الثقافي:
عنوانٌ، اخترته من إحدى الكتب التي تناول فيها الباحث والمفكر السوري العالمي «ندره اليازجي» العديد من المواضيع الثقافية والمعرفية والإنسانية والحضارية الأخلاقية.. المواضيع التي قادته بعد أن تأمل في عمق الحياة ومافيها من أسرار، إلى البحث عما بين «الثقافة والمصير» من علاقةٍ، توصل بعد البحث فيها ودراستها، إلى معرفة المعنى الكامل والماثل في حياة الشعوب، التي نقرأ مما قاله عن تصوره لمصيرها المتماهي مع الثقافات والقيم الحضارية:
“لمّا كانت الثقافة مفهوماً أو تصوراً يستغرق الروح الإنسانية التي تبلغ ذروة «مصيرها» في إبداعٍ لانهائي ينتشر في أرجاء العالم، ويفعل فيه على نحو «مثال» حيّ وفعّال في التاريخ البشري، فإن الحضارة تعبّر عن ذاتها في مثال أسمى للثقافة، ومتى بلغ الفرد أو المجتمع أو الشعب، هذا المستوى من الابداع الثقافي والعمق الحضاري، أصبح شمولياً وعالمياً، وترسخ في جوهر الحقيقية الإنسانية. هنا، لا يتلاشى الإشعاع الفكري ولا يموت، بل يتألق في المحيط الروحي الذي يغلف الوجود الإنساني، كخلفية تسجل عليها ماتدونه الشعوب والمجتمعات والأفراد، من مآثر وإنجازات حضارية وثقافية وعلمية”.
إنه ما اكتشفه بعد أن تأمل الحياة ومصير إنسانها وشعوبها، بل بعد أن تأمل في ثقافة هذه الشعوب ومفهومها:
“مفهوم حضاري، يرتكز على قواعد هي مقومات ومكونات أساسية تتمثل في العقل المنفتح، والعقل المكوِّن، والفعالية الناشطة إلى تحقيق غاية إنسانية تستغرق في تصور الماضي الحضاري الذي عاشه أسلافنا بشمولية متمثلة، في كلّ المبادئ والقيم الحكيمة والراقية والكونية”.
حتماً، هو تأمل المستنير والباحث والعارف، بكل ما في العالم الذي عاش عمره يبحث في الأعماق الخفية لثقافته. تلك التي جعلت مصير هذا العالم، مرتبطاً بمفاهيم لا يمكن أن ترتقي، إلا بارتقاء وشمولية أخلاقه وقيمه ومحبته..
نعم هو تأمل الحكيم، الذي أدرك أن تلك الشمولية التي قامت في صميم ماضينا الحضاري، هي حقيقة مستمرة لأنها توحدت مع الروح الشاملة، ومع الوعي الكوني.. الوعي الذي بلغته حضارتنا فجعلتنا، ننحدر من أصول وإن وهبت التاريخ الإنساني مبادئ عديدة أشار إليها وفنّدها، إلا أنه قال عما قرأه بعد أن تأمل في السيرة التاريخية لثقافتنا:
“تأملت السيرة الذاتية لثقافتنا، فرأيت القيمة الحضارية والثقافية المتضمنة فيها تتراجع وتتقهقر.. رأيت ذبول «المثال» وهو يتعثر في مسيرته التاريخية، وشاهدت تضاؤله، وهو المعبّر عن تألق المشعل الحضاري.. تساءلت عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع والتباطؤ، فوجدتها في الهزيمة التي ألحقت ضرراً كبيراً في العقل المنفتح والعقل المكوِّن.. لقد استسلما إلى سبات عميق.. السبات الذي سببه أطياف المفاهيم الخاطئة المتمثلة بالقدرية والحتمية والمصير المتصل بهما وجعلني، أدرك أن المجتمع الانساني الذي يغلف ذاته في ثنايا المفهوم السلبي للقدرية، يحتّم على وجوده مصيراً مأساوياً، ينتهي بانطفاء مشعل حضارته الإنسانية”.
إنه ما توصل إليه واضطرّه، للبحث عما يخلص المصير من مأساويته، وهو ما اعتبره واجبه لطالما، كان يرى بأن على المفكر الحكيم، تخليص الثقافة من كل ما يجعل مصيرها الخمول والسبات والضمور، وسوى ذلك مما وجدَ بأن السبيل لمواجهته:
«تنشيط الطاقة الفعّالة والحرة التي تساعد على الخلاص من مآسي الماضي والانطلاق الى رحاب المستقبل، وهكذا يتجاوز الإنسان المعاناة من ضميرٍ نام، أو وعي ألقى عليه الظلام ظلاله، ويعمد إلى تكوين عقله من جديد، بحيث ينفتح الى الحضارة الإنسانية والثقافية العالمية، وينشط فعاليته الخامدة بعقل وروح متطورين ومتألقين، بالوعي والمعرفة الكونية».
التاريخ: الثلاثاء1-12-2020
رقم العدد :1022