الملحق الثقافي:حوار: لمى كربجها:
ما إن تذكر حماة حتى تقفز إلى الأذهان قامات شعرية وفكرية لايمكن إلا أن تقف عندها بكل محبة، «وجيه البارودي» و «سعيد فندقي» و»عدنان قيطاز» وغيرهم الكثير.
«عدنان قيطاز» وهو يشارف التسعين ما زال يغدق العطاء ..الشاعر الذي بدأ حياته صحفياً ومن ثم عمل في التعليم.
شارك في إحياء المهرجانات الأدبية والقومية في سورية، وألقى العديد من المحاضرات الأدبية والتاريخية في المراكز الثقافية وجامعة البعث.
كرمته شبيبة الثورة واتحاد الكتاب العرب في سورية، ودعاه محافظ حماة لإلقاء كلمة في مجلس المحافظة، كما قلده رئيس مجلس المدينة وشاح حماة وأيضاً كرمته جمعية العاديات في حماة لأبحاثه التاريخية.
اليوم إصدارات عديدة متتالية ومتنوعة «تاريخ، شعر وسيرة، دراسات أدبية ونقدية» ضمن فترة زمنية قصيرة، هي غزارة في الإبداع والإخلاص لرسالة الكلمة، هي نتاج سنوات وجد طريقه للنور لعلامة سوري تتباهى حماة بأنه من أبنائها الأفاضل الكرام وأعلامها الكبار.
جمعني وإياه كثير من الأحاديث والنقاشات، وهو أمر منحني فخراً عظيماً، وفيما يلي سأبحر على عجالة ضمن إصداراته الأخيرة ذاكرة بعض آرائه، وهو ممن لا تكفيه الكلمات ولا تفيه حقه احتفاء وتكريماً.
ضمن إصداراته الجديدة لاحظت تركيزاً على حضور حماة، بل هيمنة على كل ما كتب، تاريخاً وجغرافية وأعلاماً وأدباً، في مدخل كتاب «أوراق من تاريخ حماة» قال: «يجب أن نعترف بأن ثمة جوعاً حقيقياً لما يعرف بتاريخ حماة وأعلامها وأدبياتها، وهو جوع مشروع حتى يقوم هذا التاريخ..»، وفي حديث أخبرني أنه تطرق ضمن هذا الكتاب لكل ماهو جديد ولم يسبقه إليه أحد.
أيضاً من يقرأ كتاب «حماة في عيون الرحالة والجغرافيين» يدرك عظمة المشروع التاريخي والأدبي الذي يعمل عليه الأستاذ عدنان، حيث كتب عن حماة في جغرافيا القدماء، وذكر ما جاء حولها على ألسنة الرحالة لغة وتاريخاً وتوصيفاً، متابعاً عبر إصدارات عديدة ركز فيها على أعلام حماة وأدبياتها ضمن العناوين التالية:
«الشيخ محمد الهلالي, الفائت من آثار الشاعر وجيه البارودي، أدبيات من حماة في القرن العشرين، حماة في محراب الأدب، مما قرأت وكتبت» والعديد من الدراسات التي يعمل عليها وستصدر قريباً لتتلافى نقصاً وتكشف علماً غاب عن الحضور وبقي منسياً دون بحث ودراسة وتوثيق.
سألت الأستاذ عدنان:
– قمت بإجراء دراسات وبحوث عديدة عن حماة وأعلامها، لماذا حماة.. هل هي حميمية خاصة تربطك بها؟ أم هو شعور بظلم تعرضت له حماة عبر ابتعاد بعض مفكريها وأدبائها عن إضاءة صفحاتها الغنية بإرث تاريخي وأدبي موغل في الأصالة؟.
— حماة مدينة عريقة لها تاريخ حافل بالأمجاد منذ أيام الحثّيين والآراميين وفي أيام الدولة الأيوبية، وقد كانت عاصمة لمملكة آرامية كما كانت مركزاً من مراكز الأدب والثقافة في بلاد الشام إبان العهد الأيوبي، ومن خلال قراءتي للتاريخ وجدت أن حماة تمتلك هذا التراث الضخم من الإرث النضالي «ضد الصليبيين والمغول» والإرث الأدبي، لأن كثيرين من الأدباء والعلماء أقاموا في حماة وماتوا على أرضها والأسماء كثيرة تفوق الحصر.
علامتنا «قيطاز» يجد نفسه في الشعر وقراءته للتاريخ تجعله يستفيد من التاريخ وحوادثه وأعلامه لإثراء بنية القصيدة الشعرية، وقد ضرب مثلاً على ذلك: قصيدة أبي الفداء من ديوان اللهب الأخضر، قصيدة وجيه البارودي، قصيدة بعمر يحيى، فالشاعر ينحاز إلى الشعر ولكن التاريخ جزء من ثقافته.
تجلت السيرة والترجمة بشكل أكبر وأوضح ضمن إصدار «شعراء عرفتهم في حياتي» حيث ذكر الأستاذ «عدنان» أسماء كثيرة ساهمت في عرض مراحل مرت بها حياته.
«الشعر والنقد عند العرب» دراسات نقدية جمعت بين الشعر والنقد عبر قواعد أساسية منحتني كمتلق وأديبة متعة في الوصول إلى العلم والمعرفة ورغبة دائمة في إعادة القراءة عبر ما منحتنا من قواعد هامة بلغة عالية متمكنة وأمثلة تغني ما ذكرت من أصول وقواعد.
أثناء نقاش غني عميق الفائدة سألت الأستاذ «قيطاز» عن رغبة تلميذة واقفة على أبواب عالم واسع من العلم والأدب:
– أنت من جيل الشعر الكلاسيكي لكنك مع ذلك كتبت شعر التفعيلة «ديوان وجهك المستبد».. هل نستطيع أن نقول أنك قد تتخلى عن الشعر الكلاسيكي وتنحاز للتفعيلة؟ وما هي رؤيتك الخاصة تجاه الشعر بشكل عام؟ أيضاً هل ترى أن شعر الحداثة وقصيدة النثر هو شعر يناسب هذا الزمن، وهل من الممكن أن نعتبر قصيدة النثر هي مستقبل واقع الشعر؟
أجابني:
— أنا مع الحداثة الشعرية وإن كنت شاعراً كلاسيكياً، وأنا أريد من الشاعر في بدايته الفنية أن يتعرف على الأدوات الفنية فأنا لا أستطيع أن أنسخ العروض أو القافية من الشعر، أو أنفي عنه بنيته الفنية القائمة على النحو العربي وعندما يتعرف الشاعر على هذه الأدوات يكون قادراً على التجديد.
أما الشاعر الذي لا يتقن أدواته الفنية فليس بشاعر، وأنا تعرضت في مرحلة من المراحل للهجوم من بعض الأدباء والشعراء بسبب آرائي القاسية حول هذا الموضوع، وقد كان لي قصيدة رداً على من ينتقدني عنوانها «أيها الولد».
إن رؤية الأستاذ «عدنان» للشعراء تتوضح أكثر عبر مقولته: «ينبغي على الشعراء أن يحسنوا بناء القصيدة على أسس فنية، وأن يعلموا أبجديات صناعتها وإتقانها، فائتلاف اللفظ مع المعنى، وائتلاف اللفظ مع الوزن، وائتلاف المعنى مع الوزن، وائتلاف اللفظ مع اللفظ، والمعنى مع المعنى، تمكين القوافي وإحكامها».
لقد كان الشعر حاضراً ضمن إصدارات العلامة الشاعر «قيطاز» الجديدة، وقرأنا له «مقامات أبي فراس الحموي، معارج الروح، أنا والشعر» والعلامة «قيطاز» يرى أن لا نهاية للقاموس الشعري عند أي شاعر من الشعراء، لأن الشاعر بطبيعته يميل إلى التجديد لإثراء البناء الفني للقصيدة.
هي كلمات جاءت على عجالة بهدف فتح الأبواب للدارسين والنقاد لدخول عالم واسع من العلم والمعرفة لعلامة نبيل واسع العطاء.
التاريخ: الثلاثاء1-12-2020
رقم العدد :1022