افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
من الواضح أنّ واشنطن – مع إدارة دونالد ترامب التي تَحزم حقائب الرحيل، ومع إدارة جو بايدن التي تَستعد لدخول البيت الأبيض – ما زالت تُنكر نتائج الميدان وترفض الاعتراف بالنتائج السياسية المُترتبة، حتى صار من الثابت أن إنكارها وعدم اعترافها يُمثلان نقطة مركزية تَفضح كل محاولات الالتفاف على الواقع، مرة بالهروب إلى الأمام عبر تصعيد التهديدات وتَسعير إجراءات الإرهاب الاقتصادي، ومرة بارتكاب المزيد من الحماقات على الجبهات المُوازية.
قد يكون من السهل على فريق بايدن التَّنصل غداً من المسؤولية عن حماقات ترامب، وربما تَدّعي إدارته أيضاً أن لا علاقة لها بإقفال “2020 ” على جريمة اغتيال العالم الإيراني فخري زادة بعد افتتاحها باغتيال الجنرال قاسم سليماني، وقد يَتبرأ فريق بايدن من تصريحات وأداء جيمس جيفري وخَلَفَه جويل رايبرون، لكن منذ متى كانت الإدارات الأميركية الصاعدة والنازلة تَنقلب على ذاتها الشيطانية، إلا بالمعنى السلبي؟.
ترامب ملأ الفضاء اتهامات هاجم فيها إدارة سلفه باراك أوباما لجهة أنها هي من أنشأ تنظيم داعش الإرهابي، وهي من استثمر فيه، فما كان إلا أن واصلَ سياسة التوظيف والاستثمار بالإرهاب الصهيو- داعشي، ولم يُنفذ إلا ما يُؤكد استغراقه بكل ما أقدم عليه سلفه، بل إنه سجلَ إضافات أكثر حماقة وخُبثاً يَتفوق فيها على سابقيه.
الأمر لن يكون مُختلفاً مع بايدن سواء كانت إدارته الامتداد لأوباما – تُوصّف ولايته بأنها الولاية الثالثة لأوباما – أم كانت الترجمة بإطار الاستكمال لما شَرَعَت به إدارة ترامب، ذلك أنّ المحكات التي سيُوضع عليها ستكون الاختبار الذي يُثبت من جهة حقيقة أنه لا يَملك شجاعة التراجع وليس الانقلاب، ويُثبِّت من الجهة الأخرى واقع أنه ربما لن يُسمح له بتسجيل تراجع هنا وانسحاب هناك، بالحالتين هما أقل من الانقلاب الممنوع مُقاربته كمفهوم وكإجراءات!.
المحكاتُ إياها ستكون فاضحة للنظام الأميركي وليس فقط لهذه الإدارة أو تلك، جمهورية كانت أم ديمقراطية، أولها: ربما مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني الذي تَبعه اعتراف استفزازي آخر بالجولان السوري المُحتل جزءاً من الكيان، ذلك أنّ بايدن إذا لم يَستكمل فإنه لن يَتراجع!.
مسألة الانسحابات الحمقاء التي أقدم عليها ترامب من اتفاقيات ومعاهدات دولية ليس آخرها الاتفاق النووي الإيراني، إذا سجّل بايدن حماساً أقل لناحية الاندفاع باتجاه التمسك بها، فإنه لن يَتراجع عنها، ذلك أنّ كلّ ما صدرَ عنه من مُقاربات تتصل بذلك تُدلل على أنه يُحاول تَدوير الزوايا ومُحاولة التلاعب انطلاقاً من السعي لتحصيل نتائج فشل بتحصيلها أسلافه.
الاستراتيجية الأميركية ثابتة، وخطوطها المَرسومة في فرض الهيمنة واضحة، وإنّ إدارة بعد أخرى تُحاول استكمال ما أنجزته سابقتها، وفي أسوأ الحالات تُحاول تَحسين شروط التفاوض عندما تتعثر وتُخفق هنا وهناك.
بعد سلسلة الإخفاقات الأميركية – لا سيما في المنطقة – من المُتوقع أن تكون أولوية بايدن محاولة التخفيف من ارتدادات الفشل، أو محاولة جَعلها تتوقف عند حدود لا تُهييء لانهيارات، غير أن ذلك لا يعني أنها ستتوقف عن مُحاولات خلق أكاذيب جديدة تكون المنصة لاجترار ما يَكفل لها مواصلة ما سبَق، ذلك بمُحاولة مُحاكاة الأهداف القذرة التي لم تتحقق.
من بعد تَوظيف الإرهاب الصهيو -داعشي، ومن بعد تَخطي سقوف ممارسة سياسات البلطجة عبر الإرهاب الاقتصادي، لن تتوقف إدارة بايدن عن افتعال المُشكلات ولا عن تطوير أدوات استهدافنا مع الحلفاء والأصدقاء، ومن المُؤكد أنها تَعكف بهذه الأثناء على الإعداد والاستعداد لذلك، لتُؤكد أن لا تَغييرات بالاتجاه المُعاكس ستقع مع قدومها، وليتأكد أنها لا تختلف عن سابقتها حتى في انفصالها عن الواقع.
أن تدعَ إدارة ترامب لإدارة بايدن تركة ثقيلة، هذا شأنها كما هو شأن الأخيرة أن تستغرق فيها وتستكملها بذات المُستوى أو بمُستويات مُتباينة من الحماقة، غير أنه إذا بات من الثابت أنّ على واشنطن واجب البحث عن مَخارج لكل ما كان مادة للسجال بين ترامب وبايدن أثناء حملاتهما الانتخابية، فإنّ اجترار بايدن بمُخلفات أوباما وترامب لن تَقوده إلا إلى ما صار يَرقى إلى اليقين .. خروج أميركا من المنطقة حتمية وليس خياراً.