الثورة اون لاين -ناصر منذر:
منذ إنشاء مجلس الأمن الدولي بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لم ينجح هذا المجلس بإثبات مصداقيته وجديته لجهة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وهو الدور الأساسي المناط به، وهذا ما تدل عليه سلسلة إخفاقاته الطويلة في التعامل مع المسائل والقضايا الدولية المهددة للاستقرار العالمي، وهذا الخلل الواضح يطرح سؤالاً بغاية الأهمية حول جدوى استمراريته في ظل خروجه عن القواعد التي تحكم آلية عمله، حيث بات معلوماً أن الولايات المتحدة وأتباعها من الدول الغربية هي التي تتحكم بقراراته، بعدما أخضعت مفهوم الأمن والسلم لمعاييرها المزدوجة، فتحرك مسار تحركاته بالاتجاه الذي يخدم مصالحها وأطماعها التوسعية، ويصب في خانة استهداف أي دولة تناهض سياساتها الاستعمارية.
تعاطي مجلس الأمن مع مجريات الحرب الإرهابية على سورية، يقدم صورة واضحة لعملية استغلال الدول الغربية لهذه المنصة الدولية، وحرفه عن مسار ولايته التي حددها الميثاق الأممي، فتحول من جهاز دولي لحفظ السلام إلى أداة بيد تلك الدول لتغطية جرائم الإرهابيين وشرعنتها، وبفعل ارتهانه الأعمى ترتكب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومعظم الدول الأوروبية، إضافة للنظامين التركي والسعودي والكيان الصهيوني ومشيخة قطر الكثير من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، وبسبب عجزه عن إيجاد آليات رادعة تلزم الدول الراعية للإرهاب عن التوقف عن دعمها للتنظيمات الإرهابية، والميليشيات الانفصالية، يتمادى إرهابيو (النصرة وداعش)، ومرتزقة الاحتلال التركي، وعملاء (قسد) المأجورين بجرائمهم وممارساتهم الوحشية بحق المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبسبب الاستمرار بانتهاك قرارات الشرعية الدولية يتفاخر المحتل الأميركي بسرقة النفط السوري، ويتباهى بـ(قيصره) العدائي، وتوغل أدوات الإرهاب بحرق المحاصيل الزراعية، وكذلك يتمادى المحتل التركي بسياسة التتريك في المناطق التي يحتلها، تماماً كما هو حال الكيان الصهيوني وإجراءاته الباطلة بحق أهلنا في الجولان السوري المحتل.
رغم كل المخاطر التي أفرزتها الحرب الإرهابية على سورية، والمتمثلة بارتداد الإرهاب إلى العديد من عواصم الدول التي رعته ومولته، إلا أن مجلس الأمن، لم يلتزم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه لجهة التنسيق وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، حيث لا تزال الدول الغربية المهيمنة عليه تتلاعب بكل القرارات الدولية الصادرة عنه بهذا الشأن، من أجل حماية الإرهاب، ومعاقبة الدول التي تحاربه دفاعاً عن أمنها واستقرارها أولاً، وعن الأمن والسلم الدوليين ثانياً، وهذا ما برهنته مجريات الحرب الإرهابية على سورية، فهذا المجلس عقد مئات الجلسات، واعتمد عشرات القرارات، وشكل لجاناً لتقصي الحقائق، ولكن كل النتائج كانت تصب في مصلحة حماية الإرهابيين، حتى إن هذه الدول سرعان ما كانت تهب لنجدتهم كل من على منبره في كل مرة يحاصرهم فيها الجيش العربي السوري، عبر تزييف الحقائق لتلفيق الاتهامات الباطلة للجيش، بهدف منعه من استكمال تقدمه في الميدان.
لطالما شكل مجلس الأمن كغيره من الهيئات والمنظمات الدولية المرتهنة للقرار الغربي منصة عدوان لاستهداف سورية وشعبها، وشنت عبره الولايات المتحدة وأتباعها الغربيين حرباً شعواء على مسار الحل السياسي لإطالة أمد الأزمة وتأجيجها، وترك الأبواب مشرعة لممارسة أقصى حدود الضغط والابتزاز السياسي، من خلال سعيها لربط أي حل ينهي معاناة السوريين بشروط تعجيزية فشلت عن تحقيقها عبر الإرهاب والعدوان العسكري، وهذا ينطبق أيضاً على الكثير من الدول المستهدفة بسياسة التسلط والغطرسة الغربية، الأمر الذي يدل مجدداً على أن هذه الهيئة الدولية قد أزيحت عن سياق الدور الذي أنشئت من أجله، وباتت مثار قلق يهدد الأمن والسلم الدوليين.