افتتاحية الثورة _ بقلم رئيس التحرير _علي نصر الله
بعد سلسلة الإخفاقات، بعد الخيبات المُتراكمة، وبعد المُحاولات المُتكررة بإنكار العجز، تَستكمل واشنطن ما سمي “قانون قيصر” بالإعداد لاستصدار حزمة عقوبات جديدة تَستهدفنا بها شعباً ومجتمعاً صامداً، الدولة مُكتملة السيادة وذات الدور الرائد بتجسيد المفاهيم والثوابت الوطنية. تَستبق ذلك القارة العجوز بالتحاق أعمى يُثبت تَبعيتها المُذلّة بافتتاح معركة أخرى ضد سورية، ذلك باستهداف إعلامها الوطني ومُحاصرته بمُحاولة إسكات صوته الحق، وحجب صورة الحقيقة التي تُقدمها قنوات الإعلام السوري عبر الأثير.
قرار الإدارة الأوروبية للقمر الصناعي “يوتلساب” بإنزال جميع قنوات الإعلام الوطني السوري عن تَردداتها، هو جزء من الإجراءات أحادية الجانب التي تتخذها الولايات المتحدة والغرب ضد سورية وشعبها، هو محور من مَحاور الهجمة وجبهة من جبهات المعركة الدائرة، لا يَنفصل عن جملة الاستهدافات التي بدأت بتوظيف التنظيمات الإرهابية واستخدامها، ولم تنتهِ بالاعتداءات المباشرة الصهيوأميركية، ويبدو أنها لن تنتهي بالإرهاب الاقتصادي، الفكري، الثقافي المُتجسّد بالغزو والعولمة المُتوحشة، والآن بالإعلامي، بمُحاولة الإلغاء والشطب لصوت الحقيقة وصورتها.
القرار الغربي هذا هو ذهابٌ مباشرٌ باتجاه التعبير ربما عن أهداف جديدة لمرحلة أخرى من مراحل العدوان المُتواصل بالوقاحة التي صارت أُسّاً في السلوك الصهيوأطلسي الذي يُعبّر عنه المسؤولون الأميركيون أولاً بالممارسة والفعل، ويَلتحق بهم الغربيون وإداراتهم مباشرة، بدليل أنّ جيمس جيفري ما زال يُردد بوقاحة مع آخرين – مسؤولون سابقون وحاليون – التلفيقات ذاتها، والأكاذيب نفسها، يَجترون بها اجتراراً مُقززاً، ولا تُخفي الجوقة غاياتها القذرة.
قبل خمس سنوات، في مثل هذا اليوم صدر القرار 2254 الذي يَجتزِئ منه قادة الغرب وواشنطن ما يشاؤون، ويقولون بكل صفاقة: لن نَدعَ عملية إعادة الإعمار في سورية تَنطلق، ولن ندعَ التعاون مع دمشق يبدأ قبل تطبيق 2254، بينما يتجاهلون القرار 2253 الذي سبقَه، ويَتهربون من الاستحقاقات التي يَفرضها عليهم كمُستثمرين بالإرهاب، ليَستغرقوا اليوم بإجراءاتهم ومُمارساتهم الإرهابية التي تتنقَّل بين مُواصلة تبني أذرعهم التكفيرية وبين الإرهاب الاقتصادي، وصولاً لاستهداف صورة الحقيقة وصوت الحق.
محاولة استهداف الإعلام الوطني السوري هي مَحطة أخرى من محطات العدوان، لكنّها من جانب آخر مَحطة أخرى من محطات الخيبة والفشل، بل هي تَرجمة للعجز والإخفاق، وربما هي لمن يُدرك أبعادها تَنطوي على اعتراف بالفشل، وهي محاولة يائسة لنقل المعركة إلى مَطارح جديدة تزيد أوهام أصحابها، بينما في الواقع ستُضاعف عليهم الألم والمرارة التي يتجرّعونها في المحصلات النهائية.
بالاستهداف الجديد للإعلام السوري، يَتوهم معسكر العدوان على سورية أنه يَعثر على فُرصة جديدة ليُحقق أهداف عدوانه المُتواصل، وبالإعداد لحزم عقوبات أخرى سيُضاعف أوهامه المُتصلة بوهم القدرة على فرض شروط صارت من الماضي، أو بمُمارسة ضغوط أصبح من الثابت أنها لن تُحقق له ما عجز عن تحقيقه بالحرب والعدوان، ولا عن طريق صناعة الأكاذيب والفبركات المفضوحة.
باستهداف الإعلام الوطني السوري، وبالذهاب إلى اعتماد آليات تَفيض إرهاباً اقتصادياً وغير اقتصادي، إنما تُثبت واشنطن وشركاؤها حالة الانفصال عن الواقع، ذلك بإنكار مُعادلات رَسّخها الصمود السوري، ويُجبر بهذه الأثناء مَنظومة العدوان على إشهار الإفلاس، أو يُرغمها على الانكفاء والتراجع، من بعد القيام بإجراء جَردة حسابية لحصيلة سياسات العبث التي قد تُهيِّئ لانكسارات مُؤلمة لها ولجميع مُكوناتها في المنطقة، وعلى ضفة المتوسط الأخرى، حيث تَفتتح الإدارات الأوروبية بحماقة معركةً جديدةً خاسرةً، ذلك أنّ من طَوى الصفحات الأقسى خلال سنوات العدوان، ما من قوّة ستُعطل قدراته بطيِّ مُفردات وصفحات وعناوين العدوان الجديد، سياسيةً كانت، أم إعلاميةً أم اقتصاديةً ثقافيةً.