الملحق الثقافي:آنا عزيز الخضر :
عُرف المسرح السوري، على مدى مسيرته الثقافية المشرفة، بأنه المسرح الجاد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ومسؤولية، وقد عرفناه عبر تاريخه وإنجازاته، مأخوذاً بهموم الناس وهموم الوطن على كافة الأبعاد، فكان له دوره التنويري والحضاري، ونحن الآن نمرُّ بأصعب الظروف، ثقافة واقتصاداً وأخلاقاً، وقد تعرضت سورية لأبشع مؤامرة في التاريخ، وكان الإرهاب كسلاحٍ والتطرف كفكر وثقافة، هما الجبهة التي عانى الوطن وأبناؤه من خطورتها وفداحتها كثيراً..
إنه، ما جعل الخطاب الذي ألقاه سيادة الرئيس «بشار الأسد» في جامع العثمان، مهماً ولافتاً بما فيه من عناوين، تستدعي ضرورة التأكيد على محاربة الإرهاب، ومواجهة الفكر المتطرف..
من هنا، ﻻ بدّ من استنفار جميع وسائلنا الثقافية للقيام بمهامها كي تجسد الجبهة الأهم، لمحاربة الإرهاب والتطرف وفضح أهدافهم في تخريب الوطن ولا سيما ثقافته، وخلخلة قيمه تحت عناوين مزيفة هدفها الأبعد، تخريب الوطن والفكر والثقافة والهوية، وذلك لخلق أرضية هشة من شأنها أن تستقبل الأفكار الهدامة التي تسعى إلى تدمير وطمس ما بنته حضارتنا – منارة التاريخ. الحضارة السورية التي تخيف أعداءنا، والتي هي القوة والمناعة والهوية الراسخة بالفكر الإنساني..
لقد عملت الثقافة في سورية، ووسائلها التي يعتبر المسرح من أهمها، على محاربة الإرهاب، ودحرِ التطرف العفن، حفاظاً على الوطن وحضارته، وعلى المجتمع وحصانته.. أيضاً، على أناسه وقيمهم فهي مهام مطلوبة بإصرارٍ من الوسائل الثقافية.
كل هذا، أكده مسرحيون سوريون تحدثوا عن مسؤولية المسرح الدائمة كما الراهنة. من هؤلاء المسرحيون، المخرج المسرحي «محمد المحاميد» الذي قال في ذلك:
«أسهم فن المسرح مع الفنون الأخرى في مواجهة ظواهر مروعة لا تخلو منها الكثير من المجتمعات البشرية، مثل التطرف والإرهاب والعنف والكراهية وازدراء الآخر، وسوى ذلك مما يشكّل صوراً رمزية للتوحّش.
هكذا كان الفن الرابع منذ ولادته في الحضارات الغربية والشرقية، فناً وفضاءً ينبذ كل شاذ، ويفتح آفاقاً رحبة لا تضيق بأحد، وينتصر للقيم الإنسانية النبيلة، ويدعو إلى تطهير السلوك البشري وتخليصه من تراكماته النفسية والذهنية، ومن الشوائب التي تعلق بالعقل والروح.
المسرح العربي تنبّه إلى خطورة هذه الظواهر منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، فكانت مسرحية سعدالله ونوس «سهرة مع أبي خليل القباني» (1973) من أبرز النماذج المسرحية التي قدّمت معالجة درامية ناضجة لظاهرتي الفكر الظلامي/ التكفيري والعنف.
وقد تمثّل الصراع الدرامي في هذه المسرحية في صراع الرائد المسرحي السوري «أبي خليل القباني» مع القوى الظلامية المتمثلة في شيوخ التكفير والتزمت الذين عَدّوا مسرحه منكَراً وضلالة وزندقة ومفسدة، ومحركاً للغرائز والشهوات وغير ذلك من الأوصاف والنعوت التي تحطّ من مكانته، وبعد عشر سنوات عاد «ونوس» إلى تناول هذا الموضوع من زاوية أخرى في مسرحيته «منمنمات تاريخية» وفيها ذهب إلى زمن حصار التتار لدمشق، منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، والأحداث الرهيبة التي حصلت خلاله، ومن بين أبرز الرؤى التي قامت عليها المسرحية، تلك التي تجسّدت في أفكار الشيخ المتطرف «برهان الدين» رجل النقل الذي يعادي أهل العقل، وقد تآمر مع أقرانه لمساعدة المغول في احتلال دمشق بعدما تحالفوا مع تجار الزور وحكام الجور، وتآمروا على الدمشقيين.
في سياق دور المسرح التنويري سعى المسرح إلى إشاعة روح المحبة والتسامح والتعايش والتقريب بين الثقافات واحترام التنوّع، وﻻ بد من استمرار دوره في محاربة التطرف والإرهاب، حيث دفع الوطن ضريبة تبعاته في كل الاتجاهات وﻻ بد له من طرح قضايا تعالج جميع المجاﻻت التي ترك الإرهاب بصماته عليها، في المجال الاجتماعي والوطني والإنساني والقيمي، وكل المجاﻻت وفق رؤية ناضجة من شأنها تقييد بناء الانسان بالشكل الأكثر إنسانية ونضحاً.
أيضاً، وعن دور المسرح التنويري في مواجهة الإرهاب والتطرف الأعمى، تحدث الممثل والمخرج «تاج ضيف الله» قائلاً:
«عرف المسرح بدوره التنويري على مدى تاريخه، وهو الوسيلة الثقافية التي نشأت أصلاً منذ بداياتها الأولى لصالح الإنسان، والدفاع عن إنسانيته، ومحاربة كل ما من شأنه النيل منها ومن حياته وخصاله الراقية، وقد تصدى عبر مسيرته عالمياً ومحلياً لمعالجات هدفها، والحفاظ على قيمه النبيلة تجاه كل مساحات حياته، كي ينتقي دوماً القيم الأرقى في التعامل مع الوطن، مع الإنسان، مع العلاقات اﻻجتماعية، وكل وجهة في الحياة، وسورية عانت من الإرهاب ما عانته.
يجب على المسرج طرح هذه القضايا التي تدور حول الفكر المتطرف، ومفرزاته من الإرهاب والأفكار الظلامية والحقد وإقصاء الآخر، وآليات تعامل العقل المتحجر في كل تفصيل من تفاصيل الحياة، وإظهار بشاعته وسوداويته وتقزيمه لكل ما هو إنساني وجميل، وتصويره مثلما هو في حقيقته على أرض الواقع»..
التاريخ: الثلاثاء22-12-2020
رقم العدد :1025